خطة الرئيس ترامب لإنهاء الحرب في غزة: تداعياتها وتأثيرها المحتمل على الأردن

0

خطة الرئيس ترامب لإنهاء الحرب في غزة: تداعياتها وتأثيرها المحتملة على الأردن

سعود الشَرَفات/ مدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب

عمان-الأردن

تشرين اول -أكتوبر 2025م

وجهة نظر

تمثل الخطة تحديًا سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا مباشرًا للأردن، مع فرصة للمساهمة في الاستقرار الإقليمي عبر القوة الدولية المؤقتة، مع ضرورة الحذر من تداعيات الفراغ الأمني في غزة على الحدود والمجتمع الأردني. التعاون الأردني-الأمريكي-الإسرائيلي يجب أن يتم بعناية، لضمان عدم تعرض الأردن لمخاطر أمنية أو اجتماعية محتملة، خاصة مع الوضع الديمغرافي المعقد واستمرار دعم قطاعات واسعة من السكان لحماس.

تشكل خطة الرئيس الأمريكي ترامب لإنهاء النزاع في غزة، المعلنة في 29 أيلول/سبتمبر 2025، محاولة متكاملة لإعادة الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي إلى قطاع غزة بعد سنوات من المواجهات العسكرية المدمرة. وبالنسبة للأردن، تأتي هذه الخطة في سياق حساس، يجمع بين التحديات التقليدية المرتبطة بالحدود مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية، والضغوط الداخلية المتعلقة بالوضع الديمغرافي للأردن والخوف من التهجير القسري والمواقف الشعبية تجاه أي تسوية سلمية جديدة مع إسرائيل.

وتعكس الخطة، التي تتضمن عشرين بندًا من بينها إنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة ومشاريع لإعادة إعمار غزة، فرصًا سياسية واقتصادية للأردن لتعزيز دوره الإقليمي، إلى جانب تحديات تتطلب إدارة دقيقة لتوازن المصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية، مع مراقبة تداعيات أي فراغ أمني محتمل أو تحريض شعبي.

يهدف هذا المقال إلى تحليل تأثيرات الخطة على الأردن على الأصعدة السياسية والدبلوماسية، والاقتصادية، والأمنية، مع إبراز دور المملكة في إدارة هذه التحديات والمساهمة في استقرار المنطقة

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 29 أيلول/سبتمبر 2025، عن خطة جديدة مكونة من عشرين بندًا لإنهاء الحرب الدائرة في غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.

الخطة التي حملت عنوان “السلام لغزة الجديدة”، تمثل اختراقًا سياسيًا فارقًا، وأول مبادرة متكاملة بعد أشهر من المواجهات العسكرية المدمرة، ولقَت دعمًا أمريكيًا – إسرائيليًا مباشرًا، مع تأييد مبدئي من بعض الدول العربية والإسلامية، وموافقة حركة حماس عليها مساء الجمعة 3 تشرين الأول/أكتوبر 2025م. الأمر الذي رحبت به وزارة الخارجية الأردنية 4 تشرين الأول/أكتوبر/2025م واعتبرته “خطوة هامة نحو إنهاء الحرب وما تسببه من تبعات كارثية”، كما رحبت بتصريحات الرئيس ترامب الداعية لوقف فوري لإطلاق النار لإتاحة إنجاز صفقة تبادل الأسرى كما جاءت في الخطة. في نفس الوقت شكر الرئيس ترامب الأردن ومصر والسعودية وقطر وتركيا على مساهمتهم في إعداد الخطة.

تمثل الخطة تحديًا استراتيجيًا معقدًا للأردن يتطلب إدارة دقيقة لمصالحه الأمنية والسياسية والاقتصادية. فالأردن، بصفته حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة وإسرائيل، يقع في قلب أي ترتيب جديد للأمن في غزة، إذ يحده من الغرب حدود مشتركة مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ويؤثر سير الأحداث في غزة بشكل مباشر على استقراره الداخلي وأمنه الوطني.

ويبرز البند الخامس عشر من الخطة بشكل خاص، إذ يقترح إنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة لتدريب قوات الشرطة الفلسطينية وتقديم الدعم لها، بالتشاور مع الأردن ومصر، وهما الدولتان اللتان تمتلكان خبرة واسعة في هذا المجال. ويعكس هذا البند دور الأردن الحيوي كضامن للأمن على الحدود، وكعنصر محوري لمنع أي فراغ أمني قد يؤدي إلى تسرب التهديدات إلى الداخل الأردني.

تتضمن الخطة من منظور أردني عدداً من البنود التي يمكن أن تحقق فوائد مباشرة للأردن على المدى القصير والطويل، وتعزز دوره في استقرار المنطقة. على المدى القصير، يشمل ذلك ضمان أن تصبح غزة منطقة خالية من التطرف والإرهاب، بما يقلص التهديدات المباشرة للأردن ويحد من عمليات التهريب والتسلل عبر الحدود. كما أن وقف العمليات العسكرية فورًا عند قبول الطرفين، مع انسحاب القوات الإسرائيلية وفق الخط المتفق عليه، يخفف الضغط على الأردن كدولة مجاورة لإسرائيل وأراضي السلطة الفلسطينية، ويتيح تسهيل تدفق المساعدات الإنسانية عبر المعابر الحدودية، بما يدعم استقرار القطاع ويقلل من حدة الاحتقانات السياسية الداخلية، واحتمال تصاعد الأزمات الأمنية على الحدود الأردنية.

كما توفر الخطة إطلاق مساعدات عاجلة لإعادة تأهيل البنية التحتية والمستشفيات والمخابز وإدخال المعدات اللازمة لإزالة الأنقاض وفتح الطرقات، وهو ما يتيح للأردن المشاركة في دعم إعادة الإعمار والمساهمة في تعزيز الأمن الغذائي والصحي للفلسطينيين، ويقلل بالتالي من تدفق موجات اللاجئين أو الاحتجاجات الشعبية عبر حدوده.

ويأتي إنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة (ISF) لتدريب ودعم الشرطة الفلسطينية بالتشاور مع الأردن ومصر (البند 15) كإشارة واضحة إلى الدور الأردني الاستراتيجي في تأمين الحدود، ومنع دخول الذخائر، وضمان الأمن الداخلي على المدى الطويل، ما يعزز موقف عمان كلاعب رئيسي في عملية إعادة إعمار غزة واستقرارها.

على المدى الطويل، توفر الخطة للأردن فرصة لتوسيع شراكته الاقتصادية والسياسية مع الفاعلين الدوليين، بما في ذلك إدارة مشاريع التنمية الاقتصادية في غزة وتعزيز النمو، وجذب الاستثمارات وخلق فرص العمل للسكان الفلسطينيين، ما يحد من الهجرة غير النظامية ويقلل الضغوط على الموارد الأردنية. وتشمل الخطة إنشاء منطقة اقتصادية خاصة مع تسهيلات تجارية وضرائبية، ما يفتح المجال أمام الأردن للمشاركة في مشاريع إقليمية مشتركة، والاستفادة من التجارة والإجراءات الاقتصادية المنظمة، بما يدعم الاقتصاد الوطني ويعزز مكانة عمان كمركز إقليمي للاستقرار والتنمية.

سياسيًا، يواجه الأردن تحديات داخلية متعددة وخطيرة مرتبطة بالرأي العام والمواقف الشعبية تجاه المبادرة الأمريكية، حيث عبّر الكثير من المواطنين عن تحفظهم بشأن إعادة ترتيب السلطة الفلسطينية ونزع سلاح حركة حماس، خشية أن تُفرض حلول خارج إرادتهم أو أن يُحرم الفلسطينيون من حقوقهم الأساسية.

وفي هذا السياق، أظهر استطلاع أجراه “معهد السياسة والمجتمع” في العاصمة عمان في مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2025، عقب الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل، وشمل 896 طالبًا وطالبة من ثماني جامعات حكومية وخاصة، أن 57.5% من طلبة الجامعات الأردنية يعتبرون الولايات المتحدة عدوًّا للأردن والعرب. ويعكس هذا الموقف تراجع الثقة بالدور الأميركي التقليدي في المنطقة، وتنامي الوعي النقدي والاستقلالية السياسية لدى جيل الشباب تجاه السياسات الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والصراعات الإقليمية. ويبرز هذا الاتجاه اتساع الفجوة بين الخطاب الرسمي الأردني الداعي إلى التعاون مع واشنطن وبين الموقف الشعبي الذي يزداد تشككًا إزاء نوايا الولايات المتحدة في المنطقة.

وقد استغلت جماعة الإخوان المسلمين، رغم حظر نشاطاتها في الأردن في نيسان/أبريل 2025، وجماهير حزب “جبهة العمل الإسلامي” – الواجهة السياسية المرخصة لجماعة الإخوان والمؤيدة لحركة حماس – هذه المخاوف للتحريض المستمر على مدى السنتين الماضيتين، والعمل على تأجيج المشاعر المناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل. وبرزت خطورة هذا التهديد بعد ثبوت محاولات الجماعة تهريب أسلحة وتصنيع متفجرات في العاصمة الأردنية وخارجها، وتجهيز عناصر داخل المملكة وتدريبهم في الخارج بهدف استهداف إسرائيل دعمًا لحركة حماس.

وفي هذا السياق، تؤكد الأحداث الأمنية الأخيرة على الحدود أهمية الدور الأردني في الحفاظ على الأمن والاستقرار، مع ضرورة إدارة الرأي العام المحلي بعناية لتجنب أي استغلال سياسي من قبل جماعات أيديولوجية. كما يظهر التعاون الأمني المستمر مع الولايات المتحدة وإسرائيل أهمية الحفاظ على شراكة استراتيجية متينة، مبنية على الشفافية والمساءلة، لحماية الأمن الوطني الأردني ومنع أي تهديدات محتملة عبر الحدود.

الخلاصة

تمثل خطة ترامب لإنهاء النزاع في غزة فرصة استراتيجية للأردن لتعزيز دوره الإقليمي والمشاركة في إعادة بناء قطاع غزة، مع إمكانية تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية ملموسة. وفي الوقت ذاته، تفرض الخطة على الأردن تحديات دقيقة تتطلب إدارة متوازنة تشمل مراقبة الأمن على الحدود بشكلٍ حثيث، التنسيق الدبلوماسي والسياسي مع الشركاء الدوليين وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل، وضبط إيقاع الرأي العام المحلي لمنع أي استغلال سياسي من قبل جماعات مثل الإخوان المسلمين. كما يستدعي الاستفادة الاقتصادية من مشاريع إعادة الإعمار توخي الحذر لضمان عدم تحميل المملكة أعباء مالية أو أمنية إضافية. وبشكل عام، يظهر الأردن في هذا السياق كلاعب محوري قادر على المساهمة في استقرار غزة وتعزيز السلام الإقليمي، شريطة مواصلة الالتزام بالرقابة الأمنية الدقيقة، الإدارة الحذرة للرأي العام، والتعاون الأمني الوثيق مع الولايات المتحدة وإسرائيل، بما يضمن حماية مصالحه الوطنية وأمنه الوطني واستدامة الاستقرار في المنطقة على أمل تحقيق سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط ينهي النزاعات والحروب.


About Author

Saud Al-Sharafat ,Phd https://orcid.org/0000-0003-3748-9359 Dr. Al-Sharafat is a Brigadier-General (Ret), Jordanian General Intelligence Directorate (GID). Member of the National Policy Council (NPC), Jordan, 2012-2015. The founder and director of the Shorufat Center for Globalization and Terrorism Studies, Amman. His research interests focus on globalization, terrorism, Intelligence Analysis, Securitization, and Jordanian affairs. Among his publications: Haris al-nahir: istoriography al-irhab fi al-Urdunn khelall 1921-2020} {Arabic} {The River Guardian: the historiography of terrorism in Jordan during 1921-2020}, Ministry of Culture, Jordan, www.culture.gov.jo (2021). Jordan, (chapter)in the Handbook of Terrorism in the Middle East, Insurgency and Terrorism Series, Gunaratna, R. (Ed.), World Scientific Publishing, August 2022, 47-63 https://doi.org/10.1142/9789811256882_0003. Chapter” Securitization of the Coronavirus Crisis in Jordan, “Aslam, M.M., & Gunaratna, R. (Eds.). (2022). COVID-19 in South, West, and Southeast Asia: Risk and Response in the Early Phase (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9781003291909

Comments are closed.