
سعود الشَرَفات / مؤسس ومدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب
عمان-الأردن
يشكل الوضع الراهن لتنظيم القاعدة انعكاسًا للتحديات والتحولات الكبرى التي مر بها التنظيم خلال العقدين الماضيين. إذ يواجه التنظيم في الوقت الحالي معضلة الحفاظ على وحدته التنظيمية وشرعيته القيادية في ظل بيئة إقليمية ودولية متغيرة، تتسم بصراعات جغرافية سياسية وأمنية معقدة، وازدياد المنافسة مع تنظيمات إرهابية أخرى أبرزها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). لهذا، يتطلب فهم واقع القاعدة الحالي تحليلًا دقيقًا لبنيته القيادية، وانتشاره الميداني، ومدى تهديده للأمن العالمي، مع تسليط الضوء على الأبعاد الأيديولوجية والسياسية التي تؤثر في استمراريته.
في هذا السياق، يبقى وجود سيف العدل في إيران محورًا مثيرًا للجدل داخل صفوف التنظيم وخارجه. فبرغم طبيعته كزعيم تنظيمي بارز، فإن إقامته في دولة ذات غالبية شيعية تُعدّ تقليديًا خصمًا أيديولوجيًا لتنظيم القاعدة السني المتطرف، يشكل تناقضًا استراتيجيًا يطرح العديد من التساؤلات حول طبيعة العلاقات بين التنظيم والدول الإقليمية (Iran International, 2024). ويُلاحظ أن سيف العدل، على الرغم من وجوده في إيران، لا يزال يمارس دورًا مركزيًا في توجيه الفروع الإقليمية للتنظيم في مناطق حيوية مثل اليمن، ومنطقة الساحل الأفريقي، والصومال، وحتى في سوريا، حيث سبق أن ادعى فرع التنظيم هناك المعروف باسم “حراس الدين” حلّ نفسه بقرار من القيادة المركزية، وهو ما يؤكد استمرار نفوذ سيف العدل وقدرته على التأثير في القرارات الاستراتيجية للفروع (Cole & Zelin, 2015).
بعد مقتل أيمن الظواهري، عمل سيف العدل على تعزيز شرعيته كقائد جديد للتنظيم من خلال إصدار رسائل صوتية ومكتوبة دعم فيها العمليات الميدانية للفروع، رغم عدم الإعلان الرسمي عن تنصيبه، وهو أمر يفسره بعض المحللين بحساسية الوضع السياسي لإقامته في إيران، مما يضع قيودًا على الظهور العلني والتواصل المفتوح مع القاعدة العالمية (Iran International, 2024). هذا الواقع يعكس تناقضًا أيديولوجيًا وميدانيًا يشكل تحديًا جوهريًا لاستقرار القيادة التنظيمية، إذ استغل منافسو القاعدة مثل داعش هذا الضعف لتقويض شرعية القيادة الجديدة، ما أثر في صورة القاعدة لدى بعض التيارات الإرهابية (Bacon & Grimm, 2022).
تواجه القيادة الجديدة لتنظيم القاعدة عدة تحديات هيكلية واستراتيجية، منها محاولة تحقيق توازن فعّال بين هيمنة القيادة المركزية واستقلالية الفروع المنتشرة، لا سيما في ظل تراجع السيطرة المركزية. إضافة إلى ذلك، يتوجب على القيادة إعادة بناء وتعزيز علاقاتها مع حركة طالبان لضمان دعم لوجستي واستراتيجي مستمر، مع الحفاظ على قدرة التنظيم على اتخاذ قرارات مستقلة عن الضغوط الخارجية. ويأتي التنافس المتصاعد مع تنظيم داعش كأحد أكبر التحديات التي تهدد موقع القاعدة في المشهد الإرهابي الدولي، حيث يسعى داعش لسرقة الأضواء والاستحواذ على مكانة التنظيم في العنف الدولي. كما يتطلب الواقع الجديد تحديث الخطاب والنهج التنظيمي ليتناسب مع المتغيرات الجغرافية السياسية واحتياجات الأجيال الجديدة من المجندين (Byman, 2015؛ Cole & Zelin, 2015).
تشير دراسة حديثة لـ Bacon & Grimm (2022) إلى أن تنظيم القاعدة قد فقد جزءًا كبيرًا من زخمه العالمي، وأن نوع القيادة التي يتبناها سيف العدل سيحدد ما إذا كان التنظيم سينجح في استعادة نفوذه السابق أو سيواصل تراجعه. ويطرح ذلك تساؤلات حول قدرة نموذج القيادة الاستراتيجية والعملياتية لسيف العدل على التعويض عن غياب القيادة الكاريزمية التي كان يتمتع بها أسامة بن لادن، والقيادة البيروقراطية التي سادتها في عهد أيمن الظواهري.
وعلى الرغم من الضغوط العسكرية والاستخباراتية المكثفة، يواصل تنظيم القاعدة نشاطه في مناطق النزاع والهشاشة الأمنية حتى عام 2025، وخاصة في مناطق الساحل والصحراء والصومال، حيث توفر هذه المناطق بيئات ملاذ آمنة نسبياً لأنشطة التنظيم (CNA, 2017؛ United Nations Security Council, 2025). وتعكس هذه الحقيقة قدرة التنظيم على الصمود والتكيف مع التحديات رغم ضعف هياكله المركزية، مستفيدًا من الطبيعة اللامركزية لشبكته العالمية.
تُظهر الفروع والأذرع المتنوعة لتنظيم القاعدة تغيرات متفاوتة في القوة والتأثير، حيث يبرز نشاط قوي لفروع مثل حركة الشباب في الصومال وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) في منطقة الساحل. وتُعد منطقة الساحل، التي تتكون من دول هشّة ومتصارعة، أحد أكثر المناطق تضررًا من الإرهاب عالميًا وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي (Global Terrorism Index – GTI). فقد تصدرت بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، ونيجيريا، والصومال، والكاميرون قائمة الدول العشر الأكثر تضررًا من الهجمات الإرهابية، فيما جاءت جمهورية الكونغو الديمقراطية، وموزمبيق، وكينيا، وتشاد، وتوغو ضمن العشرين الأوائل (The Soufan Center, 2025). وللعام الرابع على التوالي، تعتبر منطقة الساحل المسرح الأكثر دموية من حيث عدد الوفيات الناجمة عن هجمات التنظيمات الإرهابية، التي ينشط فيها كل من تنظيم JNIM وفروع تنظيم الدولة الإسلامية، مثل ولاية الساحل وولاية غرب أفريقيا، مما يبرز حجم التحديات الأمنية المستمرة في هذه المنطقة (The Soufan Center, 2025).
قائمة المراجع
- Bacon, T., & Grimm, S. (2022). Al-Qaeda’s future: Leadership and global influence. Journal of Strategic Studies, 45(3), 411-436.
- Center for Naval Analyses (CNA). (2017). Independent assessment of U.S. government efforts against Al-Qaeda. Retrieved from https://www.cna.org/reports/2017/independent-assessment-us-efforts-al-qaeda
- Cole, B., & Zelin, A. (2015). How Al-Qaeda survived drones, uprisings, and the Islamic State. The Washington Institute for Near East Policy.
- Iran International. (2024). Analysis on al-Qaeda’s leadership dynamics in Iran.
- The Soufan Center. (2025). Global Terrorism Index 2025 report.
- United Nations Security Council. (2025). S/2025/482 — Report on threats posed by ISIL (Da’esh) and al-Qaida and their affiliates. United Nations.
- Byman, D. L. (2015). Al-Qaeda, the Islamic State, and the global jihadist movement. Oxford University Press.