مدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة الارهاب
الدكتور سعود الشرفات
يجادل باحثين مهمين لظاهرة الارهاب مثل المؤرخ السياسي الأمريكي ولتر زئيف لاكوير (Laqueur) بأنه مهما كان تعريف الباحثين للمفهوم فإنه سيُرفض من بعضهم لأسباب أيدولوجية”. وبأن الصفة الرئيسة للإرهاب هي اشتماله على العنف (Violence)، والتهديد باستخدام هذا العنف .
كذلك فإنه من المفيد الإشارة في هذه الدراسة إلى أن الإرهاب يختلف عن مفاهيم أخرى قد تبدو قريبة وتختلط بمفهوم الإرهاب لدى بعض الناس، و فيما يلي أبرز هذه المفاهيم:
(1) الإرهاب والصراعات العسكرية المسلحة قد تتشابه في الأهداف، وذلك حينما يكون الهدف هو إحداث “الصدمة” و”الرعب” عند العدو، لكن الاختلاف هو أن الصراعات العسكرية المسلحة شكل من أشكال الحرب التقليدية .
(2) الإرهاب وحرب العصابات (Guerrilla Warfare): ويكمن التشابه “في حجم المشاركين”؛ بمعنى أن مجموعات صغيرة نسبياً تسعى لتحقيق أهداف كبيرة، وذلك باستخدام العنف المنظم ضد أهداف عسكرية، ويمكن اعتباره شكلاً من أشكال “الحرب التقليدية” موجّه ضد القدرات العسكرية للخصم، ومع ذلك فإن حرب العصابات تقترب أيضاً من الحرب غير التقليدية، وذلك من ناحية اعتمادها تكتيك: التخريب والتدمير، أو الإكراه والإجبار، فمن ناحية ما تقوم بدعم أطراف بطريقة سرية ضد نظام سياسيّ معين، ومن ناحية الإكراه والقهر والتخويف (Coercive Context) تسعى مجموعات حرب العصابات إلى زيادة شعور الدولة المعنية بالخوف، والخطر المحدق .
(3) الإرهاب، وجرائم الكراهية (Hate Crimes): وهنا فإن مهاجمة شخص بسبب الكراهية له لأسباب تتعلق بقوميته ودينه، لا ترقى لفعل العمل الإرهابيّ، لأنها لا تتضمن النية السياسية والنفسية التي تقف وراء العمل الإرهابيّ، فعلى سبيل المثال؛ فإن قيام أحد الأشخاص بمهاجمة موظف الخطوط الجوية الإسرائيلية(إلعال) في مطار (لوس أنجلوس) الولايات المتحدة عام 2002م قد يبدو للوهلة الأولى عملاً إرهابياً، على خلفية العنف الإسرائيليّ العربيّ الإسلاميّ في الأراضي المحتلة، لكنه في الحقيقة صورة عنيفة من السخط والعنف بدافع الكراهية، لذلك فإن الكراهية تجاه جماعة معينة قد تحفز وتدفع العنف المنوى القيام به؛ إما إلى قمع الإرادة السياسية لتلك الجماعة، أو دفعها إلى مغادرة منطقة معينة، وفي مثل هذه الحالة فإن العنف يمكن أن يوصف بالإرهاب( ).
(4) الإرهاب والمجرمون المختلون عقلياً ( Mentally Ill Criminals ) .
تشير الدراسات المتخصصة بأن الإرهابيين- مقارنة بالأشخاص العاديين- لا يعانون عادة من أية مشاكل نفسية سريرية، أو مشاكل الاضطراب النفسيّ، بل ـ بالعكس ـ فإن الخلايا الإرهابية تتطلب استعداداً نفسياً على درجة عالية من اليقظة والاستعداد النفسيّ والبدنيّ المتوازن والقدرة على العمل السريّ، كذلك فإن المنظمات والشبكات الإرهابية تقوم وبشكل مستمر بإدامة مراقبة وفحص أعضائها، لأن وجود أي عضو غير مستقر أو مضطرب نفسياً، يمكن أن يعرّض أمنها وعملياتها للخطر.
(5) الذئاب المنفردة : Lone Wolves
إنّ بعض الجماعات السياسية لا تسمح بإمكانية اعتبار” العمل الفردي” إرهاباً، أو أن يكون فاعله إرهابياً، وعلى سبيل المثال فإن مكتب التحقيقات الفدرالية (FBI) يصرّ بأنه حتى يكون العمل إرهابياً، فيجب أن ينفذ عن طريق جماعات متشابهة (Like-Minded) وليس عن طريق أفراد يعملون وحدهم( ).
ولا يمكن اعتبار العمل الفردي إرهاباً؛ لأنه ليس ضد عدوّ يتمتع بشرعية راسخة وبمحتوى اجتماعيّ واسع( )، ويشير بعض الباحثين إلى أن النظرية ” البنائية الاجتماعية ” تصف إرهابيي الذئاب المنفردة (Lone Wolf) بأنهم يملكون دوافع مختلفة، ويرتكبون أنواعاً مختلفة من الهجمات، ويمكن ردعهم عن ارتكاب جرائمهم بأساليب متعددة( ).
(6) الإرهاب والجرائم، التقليدية Traditional Crime :
فهناك اختلافات جوهرية بين الاثنين، لأن المجرمين التقليديين يسعون لتحقيق أهداف شخصية: كالمال، والسلع المادية، أو القتل أو جرح ضحايا محددين، وهم ليسوا معنيين بكسب الرأي العام، بعكس الإرهابيين الذين يسعون للحصول على دعم الرأي العامّ. وينظرون إلى فوائد العمل بحد ذاته، ومعظم الإرهابيين يسعون إلى تغيير النظام (أو عناصر في هذا النظام، كذلك فإن الإرهابيين لا يعدّون أنفسهم كذلك، لا بل يجادلون بأن المجتمعات ورجال الأمن الذين يطاردونهم هم الإرهابيون( ).
ونشير هنا إلى أنه بالرغم من أن الإرهابيين قد يستخدمون الجرائم التقليدية خلال نشاطاتهم، فإن المهم ليس الجرائم بحد ذاتها لتمييز العمل الإرهابيّ عن الجريمة التقليدية، بل إن النظرة إلى الجرائم باعتبارها وسيلة لتحقيق أهداف محددة، وهو ما يشكل الفرق بينهما.
ففي الدول الديمقراطية مثلاً هناك كثير من الوسائل التي يمكن أن يقوم الفرد أو الجماعة باستخدامها للحصول على أهدافهم، ومن أهمها: الانتخابات، والمسيرات، والاجتماعات، والمظاهرات، وغيرها من وسائل التعبير عن الرأي، لكن الإرهابيين لا يؤمنون بهذه الوسائل السلمية؛ لأنهم يرون في العنف” (Violence) الوسيلة المناسبة لتحقيق أهدافهم.
ومن ناحية ثانية يجمع معظم الباحثين، ومعظم التعريفات الرسمية للإرهاب على وجود أربعة معايير مشتركة في تعريف الإرهاب، هي( ):
(1) العنف واستخدامه: ويقول المؤرخ السياسي الامريكي ولتر زئيف لاكوير (Walter Laqueur) بأن هذا المعيار هو الوحيد، بشكل عامّ، الذي يحظى بإجماع الباحثين.
(2) التأثير النفسي والخوف: لأن الهجمات الإرهابية تنفذ لهدف تعظيم هذا التأثير وأطالة زمن تأثيره قدر المستطاع، وبخاصة من خلال ضرب بعض الرموز الوطنية المهمة سياسياً، أو اقتصادياً، ولعل هجمات 11 أيلول 2001 ضد مركز التجارة العالميّ، والبنتاغون أمثلة حيّة على ذلك( ).
(3) الأهداف السياسية: ولعلّ هذا ما يميز الإرهاب عن بقية الجرائم والأفعال التي تحدثنا عنها سابقاً (الحرب التقليدية، وحرب العصابات، وجرائم الكراهية) أن الإرهاب ببساطة تكتيك سياسيّ (Political Tactic) لدى الإرهابيين، والفشل في استخدامه يعدّ بالنسبة لهم أسوأ من موت الأبرياء، كالاستهداف المتعمد لغير المشاركين في المعارك.
وهنا تكمن محاولة تأكيدنا السابقة عندما أشرنا إلى أن دراستنا للإرهاب ستكون”عملية” لأنه ليس بالضرورة أن يتفق الكلّ، وبخاصة في العالم الإسلاميّ، والبلاد العربية، وكثير من دول العالم الثالث على”أخلاقية” موضوع استهداف المدنيين المتعمد( )، لكن، ومع ذلك، يرى كثير من الباحثين أن الطبيعة المدمّرة للإرهاب، هي في استهدافه المتعمّد للمدنيين، ليس لأنهم يشكّلون خطراً، بل لأنهم يشكلون رموزاً محددة للإرهابيين، ومعاناة هؤلاء الأبرياء، تحقق الأهداف التي يسعى إليها الإرهابيون بزرع الخوف، وإيصال رسالتهم للجماهير، وإلا فأن البديل هو تحقيق أهدافهم السياسية( ).
ويؤكد الخبير الإسرائيلي في الإرهاب (بوزغانور)( ) بأن الإرهابيّ يدرك سلفاً بأنه إذا لم يقتل في العملية الإرهابية فلن يحقق أهدافه*، لكن، وكما قلنا، فإن الموضوع خلافيّ بشكلٍ كبير، وهناك كثير ممن لهم وجهات نظر مختلفة، ويركز بعض الباحثين مثل (Merari) على قضية موضوع المعايير والخلافات بين الإرهاب وبقية أشكال العنف، لكن المهم أنه يرى بأن استهداف المدنيين لا ينفرد به الإرهابيون فقط، بل استخدم في الحروب التقليدية، وحرب العصابات مثال ذلك: ضرب مدن هيروشيما ونجازاكي بالقنابل الذرية في الحرب العالمية الثانية، وقتل المدنيين للسيطرة على السكان من جانب ثوار الجزائر(الجبهة الوطنية لتحرير الجزائر)، كذلك فعل ثوار الفيتكونغ في فيتنام عام 1965( ).
كذلك فان هناك عدداً من التعريفات للإرهاب التي تركز على معيار عدم شرعية استخدام العنف من جانب المدنيين أنفسهم ضد المحتلين لأراضيهم؛ لذلك تسمى جميع حركات المقاومة إرهاباً( ).
لكنّ آخرين يؤكدون على ضرورة التفريق بين الاستخدام الشرعيّ (Lawful)، وغير الشرعي(Unlawful) للعنف، ليبقى موضوع التفريق في النهاية خاضعاً لوجهة النظر السياسية( )، وبالطبع فإننا سنقوم باستعراض عدة نماذج من هذه التعريفات (الرسمية،وغير الرسمية، وبخاصة التعريفات التي تستخدم بكثرة في أدبيات الإرهاب) خلال هذا البحث، ثم سنضع تعريفنا الخاص بهذه الدراسة.