عن ماذا نتحدث عندما نتحدث عن الارهاب ؟

0

الدكتور سَعود الشَرَفات

مدير مركز شُرُفات للدراسات والأبحاث .عمان -الأردن

“إذا كان الإسلام والمسلمون إرهابيين، ومتخلفين، وضعفاء الآن، فإنهم حتماً لم يكونوا غير ذلك في الماضي”؟! للاسف الشديد فأن المقاربات المسيطرة في حقل دراسات الارهاب المعاصر تدور في الدائرة أعلاة التي تسيطر عليها المنظومة المعرفية الغربية في حقل الدراسات الانسانية السياسية والاجتماعية سواء في النظرية الواقعية أو النظريات النقديةوما بعد الحداثة التي لم تزوّد رطانتها  المسخ الارهابي إلا المزيد من الغموض والأقنعة .

 

إن دراسة الإرهاب على أنه حقل مستقل للدراسة (Discipline) لم تتمّ، ولم تحظ باهتمامِ الباحثين ـ سواء في الغرب أو في العالم الإسلامي ـ إلا بعد هجمات 11/أيلول/2001، أما قبل ذلك فكانت هناك محاولات متفرقة، مثل الدراسات المهمة للمنظر البريطاني البرفسور المرحوم (بول ويلكنسون ) وبخاصة في الدراسات الأمنية الحكومية، لكنها لم تكن حقلاً معرفياً (إبستومولوجيا) مستقلاً، وقد كان هذا الأمر مبعث شكوى لدى بعض الباحثين في هذا الحقل([1]).

ثم جاءت هجمات 11/أيلول/2001، وبرزت مفاهيم جديدة، زادت من صعوبة الدراسة في هذا الحقل، حيث تغيرت بعض المُسلَّمات والمفاهيم مثل: المفهوم الذي استخدمه (جورج بوش الابن) لوصف مقاتلي القاعدة، وطالبان، وهو ” المقاتلون غير الشرعيين” الذي يستخدم لأول مرة في التاريخ، وذلك ليتهرب من اعتقالهم خارج أمريكا في خليج غوانتنمو  (GITMO)، ثم حين أكد الرئيس (بوش الابن) في مذكرة سرية “بأن أمريكا، بعد 11/أيلول/2001 لم تعد هي التي تحدد السياسة العالمية، بل الإرهابيون”([2]).

هذا الوضع لم يكن موجوداً في الشرق، (وبخاصة في الشرق الأوسط)… لماذا؟ لأن المنطقة برمّتها تعاملت مع هذه الظاهرة، وخبرتها أكثر من غيرها…، على الأقل خلال القرن الماضي وحتى الآن، وفي هذا المجال يؤكد عدد من أهم محللي الخطاب الإسلاميّ المعاصر أمثال: محمد عابد الجابري، وحسن حمدان (مهدي عامل)، بأن دراسة الأصولية والإرهاب، وإن كانت أسبق بعض الشيء من الغرب، فإنها لم تكن تخرج عن ما وصفه الجابريّ وحمدان على التوالي الفكر المؤقت، و”الفكر اليوميّ” للحطّ من قدر الدراسات والبحث بهذا الموضوع، لذلك بقيت دراسات شكلية، همها تـنزيه الإسلام عن الإرهاب([3]). ولقد استمر هذا المسار حتى الآن .

ثم جاءت هجمات 11/أيلول/2001، لتكون أحد أهم معاول هدم المُسلَّمات بهذا الحقل، من حيث :

أولاً: خسر الإسلام الصورة التي حافظ عليها لمئات السنين كحضارة تحمل رسالة معينة، وكان الاستشراق يدرسها بكثير من التحليل، سواء سلباً أو إيجاباً.

ثانياً: فرضت التطورات العالمية، حتى قبل 11/أيلول، تغيراً في مُسلَّمات مناهج البحث القديمة، وبخاصة التاريخية، وتحليل النصوص، وسيطرة مناهج البحث الاجتماعية، واندثر معها الاستشراق بشكله القديم الذي كان يعبر عنه (برنارد لويس، وهاملتون جيب) وظهرت بدلاً منها المناهج الانثروبولوجية لدراسة الإسلام، والأصولية، والإرهاب، والتي تعبر عنها نظريات (أرنست غلنير) المحافظة، و(غارس) الليبرالية، ومنهج النظريتين يسعى لضرب التجربة الإسلامية في الصميم من منطلق البعد عن النظرة الرومانسية للشرق، كما في كتابات المستشرقين والقدماء، والانطلاق من مسار جديد، ملخصه:”أنه إذا كان الإسلام والمسلمون إرهابيين، ومتخلفين، وضعفاء الآن، فإنهم حتماً لم يكونوا غير ذلك في الماضي”([4]).

وهذا يعني بأن المسيطر والسائد الآن في الغرب في الحقول المعرفية أو المنهجية، هو هذه النظرة السلبية المتحيزة، لذلك لم تخرج استراتيجية الرئيس (جورج بوش الابن) في “الحرب العالمية على الإرهاب”، وحملات الحطّ من قدر الإسلام، والتشديد على المظاهر الإسلامية، سياسات دونالد ترامب الحالية ،وتدويل الاحتقان عبر أوروبا الغربية، وأستراليا، وأمريكا الشمالية، ومحاضرة البابا (بندكت السادس عشر) في جامعة جنسبورغ بتاريخ 12/9/2006 (التي هاجم فيها العقيدة الإسلامية مباشرةً) عن هذه النظرة السلبية.

حتى في روسيا- التي استفادت من “الحرب العالمية على الإرهاب”، لمطاردة المعارضين ومحاصرتهم، وملاحقة مقاتلي الشيشان، بحرب لا هوادة فيها، في إطار سعيها إلى استعادة النظام في منطقة شمال القوقاز المضطربة- قامت السلطات الروسية بعملية “تكييف واسعة للمشتبه بهم على مقاس مفهوم الإرهاب، فإذا كانت أمريكا استخدمت(غوانتانامو) لاعتقال المشتبه بهم، فإن روسيا حولت المرافق الإصلاحية فيها إلى معسكرات تجميع للمتهمين من الشيشان([5]).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع :

[1]. Al-Khattar, Aref, “Religion And Terrorism: Interfaith Perspective”, Prager, West port, Connecticut, 2003, P 17.

[2].       محطة تلفزيون الجزيرة، قطر، برنامج وثائقي باللغة الإنجليزية بعنوان:” السجن، الناس والقانون في (Gitmo)”، وهو الاسم الذي يطلقه الجنود الأمريكان على معتقل غوانتانامو، 12 مساءً، 16/10/206.

[3].       فارس، منير، “العنف الأصولي: نواب الأرض والسماء” مجموعة مؤلفين، الفصل الأول، سلسلة الكتاب الناقد، رياض الريس للكتب للنشر، لندن- بيروت،  1995، ص 156. وفيها إشارة إلى عبارة مهدي عامل في نقد الفكر اليومي (الواقع دوماً أغنى من المعرفة، والحياة دوماً أغنى من الفكر).

[4].       مقابلة مع .رضوان السيد”، الجزء الأول، برنامج مسارات الذي يقدمه مالك التريكي،  محطة الجزيرة القطرية، 16/10/2006..

[5].       أوزبورون، اندرو، “الرسالة الأخيرة لمراسلة صحفية قتلت لأنها قالت الحقيقة”، عن مقالة غير مكتملة للصحفية الروسية أنا بويتكوفسكايا، صحيفة الغد الأردنية، عدد 18/10/2006.، ص 28.


About Author

Saud Al-Sharafat ,Phd https://orcid.org/0000-0003-3748-9359 Dr. Al-Sharafat is a Brigadier-General (Ret), Jordanian General Intelligence Directorate (GID). Member of the National Policy Council (NPC), Jordan, 2012-2015. The founder and director of the Shorufat Center for Globalization and Terrorism Studies, Amman. His research interests focus on globalization, terrorism, Intelligence Analysis, Securitization, and Jordanian affairs. Among his publications: Haris al-nahir: istoriography al-irhab fi al-Urdunn khelall 1921-2020} {Arabic} {The River Guardian: the historiography of terrorism in Jordan during 1921-2020}, Ministry of Culture, Jordan, www.culture.gov.jo (2021). Jordan, (chapter)in the Handbook of Terrorism in the Middle East, Insurgency and Terrorism Series, Gunaratna, R. (Ed.), World Scientific Publishing, August 2022, 47-63 https://doi.org/10.1142/9789811256882_0003. Chapter” Securitization of the Coronavirus Crisis in Jordan, “Aslam, M.M., & Gunaratna, R. (Eds.). (2022). COVID-19 in South, West, and Southeast Asia: Risk and Response in the Early Phase (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9781003291909

Leave A Reply