د. سعود الشرفات*
تشهد حقبة الإرهاب العالمي الحالية كثيراً من الاتجاهات الجديدة الخطرة، منها أن دولاً مثل الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ودول البلقان، وأميركا الشمالية، وجنوب شرق آسيا، وروسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، أصبحت تُصدّر المتطرفين والإرهابين الإسلاميين إلى مناطق الصراع التي فتحت ثورات “الربيع العربي” أبوابها، وخاصة العراق وسورية. وقد استقطب تنظيم “داعش” الإرهابي معظم هؤلاء الذين يقاتلون معه الآن في معركة الموصل التي بدأت فجر يوم 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2016.
وتشير معلومات تقديرية متقاربة (لمركز “شُرُفات”، بناءً على أكثر من مصدر) إلى أن عدد المقاتلين الأجانب في سورية والعراق يتراوح -حتى آخر إحصاء، ويعود إلى كانون الأول (ديسمبر) 2015- ما بين 27 و31 ألف مقاتل، يمثلون 86 بلدا في العالم. ويتوزع هؤلاء حسب المنطقة الجغرافية على النحو التالي:
1 – أوروبا الغربية (خاصة فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وبلجيكا): 5000 مقاتل. منهم 1700 مقاتل من فرنسا فقط.
2 – روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق: 4700 مقاتل. علماً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صرح رسميا في تشرين الأول (أكتوبر) 2015 بأن عدد المقاتلين “السوفييت” يتراوح ما بين 5000 و7000 مقاتل، منهم 2400 مقاتل روسي حسب تقديرات رسمية روسية، معظمهم من الشيشان وداغستان وفق تقديرات أيلول (سبتمبر) 2015.
3 – دول جنوب شرق آسيا، تحديدا أندونيسيا وماليزيا والفلبين: 900 مقاتل، 700 منهم من أندونيسيا فقط.
4 – دول البلقان: 875 مقاتلا.
5 – تركيا: 500 مقاتل.
6 – أميركا الشمالية (الولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك): 280 مقاتلا. منهم 150 مقاتلا من الولايات المتحدة.
وكان التقرير السنوي لمكتب مكافحة الإرهاب، التابع لوزارة الخارجية الأميركية، والذي نشر في نيسان (أبريل) 2014، ويرصد أهم تطورات واتجاهات الإرهاب العالمي، قد أكد أن تنظيم القاعدة والتنظيمات المتفرعة منه أو التابعة له، ما تزال تشكل تهديدا للولايات المتحدة وحلفائها في العالم، وأن هناك زيادة في عدد مقاتلي “القاعدة” والمجموعات الإرهابية الأخرى، من أهمها وأخطرها في الحقبة الحالية من العولمة تنظيم “داعش” الذي استفاد من ضعف الدول في منطقتنا، لاسيما عقب ثورات “الربيع العربي”. وأشارت أحدث تقديرات المخابرات الأميركية، الصادرة في أيلول (سبتمبر) 2014، إلى أن مجموع مقاتلي “داعش” في سورية والعراق يتراوح بين 20 و35 ألف مقاتل.
وقد عبّر جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي “إف. بي. آي”، عن قلقه العميق من وجود آلاف المقاتلين الأجانب في سورية، مشيراً إلى الميل المتزايد لعشرات الأميركيين وآلاف الأوروبيين للسفر إلى سورية للمشاركة في المعارك هناك، مؤكداً أن الأمر أسوأ من النمط الذي سارت عليه الأمور في الثمانينيات والتسعينيات في أفغانستان، عندما شكل المقاتلون الأجانب -خاصة العرب- تنظيم القاعدة؛ وأن الأمر يزداد سوءاً مع مرور الوقت. متوقعاً خروج المقاتلين في مرحلة ما من سورية متأثرين بأفكار “داعش”.
وقال مسؤولو أمن واستخبارات أميركيون وبريطانيون إن كثيراً من الهجمات الانتحارية في سورية والعراق ينفذها مقاتلون أجانب، خاصة من أوروبا؛ وأن المقاتلين المتحدثين بالإنجليزية يلعبون الدور الأبرز في هذا المجال.
وكان جيل كيرشوف؛ المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب، قد أكد في تصريحات خطيرة نشرتها وكالة الصحافة الفرنسية، في 25/ 9/ 2014، أن عدد المقاتلين الأوروبيين الذين توجهوا إلى سورية والعراق للقتال قد ارتفع إلى نحو 30 ألف مقاتل. مشيراً إلى أن معدل التدفق لم يتراجع، خاصة بعد إعلان “داعش” قيام “دولة الخلافة”، وأن معظم هؤلاء جاؤوا من دول الاتحاد الأوروبي، وأن ما بين 20 و30 % من المواطنين الأوروبيين أو المقيمين في أوروبا عادوا إلى دولهم، واستأنف بعضهم حياته الطبيعية، لكن آخرين يعانون من صدمات، بينما هناك قسم متشدد منهم يشكل تهديداً. مضيفاً أن الخوف ليس من هجوم واسع على غرار اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، بل من فرد مزود برشاش يمكنه أن يسبب أضراراً كبيرة. وتوقع كيرشوف حدوث عمليات انتقامية بعد تشكيل التحالف الدولي ضد “داعش” في سورية والعراق.
وحسب اعتقادي، فإن الأمر الخطير والمرعب يتمثل في أن المقاتلين الأوروبيين ينضمون إلى الجماعات الأكثر تطرفاً؛ مثل تنظيم “داعش” الذي تشير دراسة أعدها المعهد الملكي في لندن، ونشرتها مجلة “فوكس” الألمانية، في 16/ 6/ 2014، إلى أن هناك 3000 مقاتل أوروبي يقاتلون معه في العراق. ولا شك أن معظمهم يقاتلون الآن في معركة الموصل.
ويشكل المقاتلون الأجانب مصدر قلقٍ كبير للدول الأوروبية والعالم، بسبب الخوف من احتمال تنفيذ العائدين من هؤلاء عمليات إرهابية في أوروبا، خاصة أن هناك ثغرة قانونية تتمثل في عدم وجود قوانين في تلك الدول تنص على معاقبة من يذهب للقتال في سورية (حسب معلوماتنا) باستثناء القانون الفرنسي.
وأمام العودة المنتظرة لعدد من المقاتلين من سورية والعراق إلى بلدانهم، خاصة بعد الهزائم المتكررة للتنظيم هناك، فإن أوروبا ستواجه الموجة الرابعة من الجهاديين، وهي الموجة الأخطر حسب اعتقادي. فقد كانت الموجة الأولى تتمثل في عودة الآلاف من الذين ذهبوا لقتال الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وشكلت سنوات التسعينيات بداية تغلغل الفكر السلفي الجهادي في أوروبا. وتمثلت الموجة الثانية في انتقال كثيرين إلى البوسنة والهرسك لمقاتلة الصرب. فيما جاءت الموجة الثالثة من “الجهاديين الأوروبيين” بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، عندما التحق مقاتلون قدماء وشباب جدد بحركة “طالبان” لمقاتلة القوات الغربية في أفغانستان. كما شملت هذه الموجة المقاتلين الذين توجهوا إلى العراق الذي عد بمثابة مدرسة لتفريخ خبراء تفجير السيارات والعمليات الانتحارية. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى عولمة الإرهاب؛ إذ إن هذه قضية مفزعةٌ ومقلقةٌ جدا للسياسة العالمية وللدول كافة، من الصومال وحتى اليابان.
لا شك عندي أن عمليات التصفية والقتل والحصار والهزائم المتوالية التي يتعرض لها “داعش” في العام الحالي، 2016، في كل من سورية والعراق، لاسيما بعد معركة الموصل، ستحفز لدى مقاتليه الأجانب روح الانتقام وشن حملة من الهجمات من خلال استخدام أسلوب الذئب المنفرد، بين الصغيرة والمتوسطة الحجم ضد أهداف منتقاه وغير تقليدية في قلب المدن الأوروبية، أو ضد مصالح الغرب في العالم، خاصة في جنوب شرق آسيا وأندونيسيا تحديدا التي يوجد 700 مقاتل من مواطنيها في العراق وسورية.
المصدر
سبق أن نشر في صحيفة الغد الأردنية ،في الأربعاء 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2016. 12:00 صباحاً