
سعود الشَرَفات/ مؤسس ومدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والارهاب
عمان _الأردن
أبدى تنظيم داعش الإرهابي موقفًا رافضًا بشدة لاتفاق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف الحرب في غزة، أكتوبر 2025م معتبرًا أنه مؤامرة أمريكية–إسرائيلية تهدف إلى إنقاذ إسرائيل من مأزقها العسكري والسياسي، وترميم صورة واشنطن بعد فشلها في فرض هيمنتها الكاملة على المنطقة. وقد عبّر التنظيم عن موقفه هذا في افتتاحية صحيفة “النبأ” الأسبوعية الناطقة باسم التنظيم العدد 517، التي صدرت أواخر سبتمبر 2025، حيث خصّص مساحة واسعة لمهاجمة الاتفاق وجميع الأطراف المشاركة فيه.
يرى تنظيم داعش الإرهابي أن الاتفاق يمثل خدعة أمريكية جديدة تهدف إلى تثبيت النفوذ الغربي وضمان أمن إسرائيل تحت غطاء “السلام”. وقد صوّر الاتفاق على أنه جزء من سلسلة طويلة من المؤامرات التي تنفذها الولايات المتحدة ضد ما يسميه بـ“الأمة المسلمة”، في محاولة لإجهاض ما يعتبره “الجهاد الشرعي” وتحويل الصراع العقائدي إلى تفاوض سياسي يخدم الغرب. واعتبر التنظيم أن واشنطن تستخدم لغة الدبلوماسية لتغطية فشلها العسكري في غزة ولتحقيق أهدافها الاستراتيجية عبر الوسائل السياسية بدل القوة المباشرة.
في السياق نفسه، شنّ التنظيم هجومًا حادًا على الفصائل الفلسطينية التي قبلت بوقف إطلاق النار، واصفًا إياها بـ“الفصائل المرتدة الخائنة لدماء المجاهدين”. ووفق خطابه، فإن تلك الفصائل تخلّت عن “الجهاد” لصالح التحالف مع “الكفار”، وبذلك تكون قد خرجت عن العقيدة.
وقد خصّص التنظيم في افتتاحيته مساحة لاتهام حركتي حماس والجهاد الإسلامي بأنهما تمثلان نموذجًا للتيارات الإسلامية التي انحرفت عن “المنهج القتالي”، وسارت في ركاب الأنظمة العربية “العميلة” – حسب زعمه – التي تقبل بالصلح مع الغرب وإسرائيل. ومن هذا المنطلق، اعتبر أن هذه الفصائل أصبحت هدفًا مشروعًا له مثلها مثل الأنظمة السياسية القائمة في المنطقة.
كما حاول تنظيم داعش استثمار الاتفاق في تعزيز دعايته الفكرية والإعلامية، مقدّمًا نفسه بوصفه “التيار الوحيد الصامد في وجه المؤامرات الأمريكية”. وربط الاتفاق بسلسلة من المبادرات السابقة مثل اتفاق أوسلو وصفقة القرن، ليثبت – من وجهة نظره – أن كل محاولات “السلام” ليست سوى خطوات متكررة في مشروع غربي يهدف إلى محو الهوية الإسلامية القتالية. وفي هذا الإطار، استخدم التنظيم الاتفاق لتبرير استمرار عملياته الإرهابية في مناطق انتشاره في العراق وسوريا والساحل الإفريقي، باعتبارها ردًا على محاولات “إخماد الجهاد” وفرض التهدئة.
ورغم موقفه الرافض للاتفاق، قدّم التنظيم قراءة مغايرة في بعض فقرات الافتتاحية، إذ أشار إلى أن اضطرار إسرائيل إلى قبول وقف النار يُعدّ – من وجهة نظره – دليلاً على ضعفها وانكسارها أمام “المجاهدين”، وأن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على فرض إرادتها العسكرية في المنطقة. واستغل هذا الطرح لرفع معنويات أنصاره، مؤكداً أن الغرب يعيش حالة من “الارتباك والانحدار”، وأن ما يجري في غزة هو دليل على “انهيار النظام الدولي الكافر”، بما يعزز خطابه التقليدي عن قرب “التمكين الإلهي”.
وفي ختام الافتتاحية، دعا تنظيم داعش الإرهابي أتباعه إلى مواصلة القتال ورفض أي تهدئة أو وقف لإطلاق النار، مؤكدًا أن مثل هذه الاتفاقات لا تُلزم “المجاهدين” بشيء. وشدد على ضرورة تكثيف العمليات ضد إسرائيل وحلفائها، معتبراً أن “المرحلة الراهنة تتطلب إعلان البراءة من كل من يقبل الصلح”، وأن الحرب في فلسطين ليست سوى جزء من المعركة الكبرى بين “الإسلام والكفر”. ومن خلال هذا الخطاب، حاول التنظيم تحويل حدث سياسي محدود إلى مناسبة لتجديد الدعوة إلى “الجهاد العالمي” وإثارة العداء ضد الأنظمة والفصائل كافة.
ويُظهر هذا الموقف بوضوح الطابع الأيديولوجي الصارم للتنظيم، القائم على رفض أي حلول سياسية أو تسويات سلمية، وعدم الاعتراف بشرعية الدول أو المؤسسات الدولية. فهو لا يرى في الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي نزاعًا سياسيًا يمكن حله، بل يعتبره معركة دينية وجودية لا يجوز فيها التفاوض أو التنازل. ويعكس ذلك استمرار انفصال التنظيم عن الواقع السياسي والاجتماعي في المنطقة، وتشبّثه بخطاب مثالي عقيم يسعى إلى إدامة الصراع المسلح بوصفه غاية في ذاته لا وسيلة لتحقيق هدف سياسي.
ومن الناحية الدعائية والسياسية، يؤكد موقف تنظيم داعش الإرهابي من اتفاق ترامب لوقف الحرب في غزة أنه يسعى إلى استثمار الأحداث الإقليمية الكبرى لتجديد حضوره الإعلامي والفكري بعد انحساره الميداني. فهو يحاول الظهور كتيار “صامد” يرفض المساومات، مستغلًا السخط الشعبي على المواقف الأمريكية والإسرائيلية لاستقطاب العناصر المتشددة داخل الفصائل أو بين جمهورها. غير أن هذا الخطاب – رغم ضجيجه الدعائي – يظل محصورًا في دائرة التطرف العنيف والإرهاب المعزولة، لأنه لا يقدم بدائل عملية أو سياسية، بل يكتفي بتكرار دعوات العنف والإرهاب ورفض الواقع.
وبهذا، يمكن القول إن موقف التنظيم من الاتفاق لا يعبر عن تحليل سياسي بقدر ما يعكس محاولة يائسة لاستعادة الزخم العقائدي والإعلامي عبر استغلال مأساة غزة لتبرير استمرار الإرهاب والفوضى تحت شعار “الجهاد المستمر”.
- هناك نسخة انجليزية من المقال .