
الدعاية والاعلام عند تنظيم داعش الإرهابي
سعود الشَرَفات
مدير مركز شُرُفات
تمثل الدعاية لدى تنظيم داعش أداة استراتيجية متطورة، تستخدم أحدث آليات العولمة التكنولوجية لتوسيع الانتشار، تعزيز النفوذ الرمزي، ودعم العمليات الأخرى مثل التجنيد والتمويل، بما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من العمود الفقري للتنظيم.
تُعدّ الدعاية والاعلام العمود الفقري الذي يعتمد عليه التنظيم في تنفيذ مشروعه التوسعي، حيث تشكّل أداة رئيسية للتأثير على المتلقين داخليًا وخارجيًا، وجذب المقاتلين، وتعزيز شرعيته الرمزية المزعومة. ويعكس الخطاب الدعائي الإعلامي قدرة التنظيم على دمج الرسالة العقائدية مع التكتيك الإعلامي والتعبئة الحركية، مستفيدًا من الأحداث الإقليمية الحساسة لإعادة تموضعه في الساحة، وتقديم خصومه على أنهم “خونة” ومتآمرون، بينما يُبرز نفسه كخيار المقاومة الأصيلة.
ولقد لعب ديوان الاعلام المركزي الذي يتبع حالياً للمديرية العامة للولايات أدوارا مهمة في مسيرة التنظيم خلال العقدين الماضيين منذ ان نظّم صدور اول خطاب قيادي ألقاه أبو مصعب الزرقاوي في يناير 2004م ودأب مذّاك على خدمة التنظيم مع تغير تسمياته وتحولاته السياسية.
خلال فترة “الدولة المكانية-المناطقية” قبل 2017م، ركّزت دعاية التنظيم على إظهار القوة العسكرية، إدارة الولايات، والخدمات العامة لتعزيز صورة “الدولة” الواقعية. أمّا بعد خسارة الأراضي، تحوّلت الدعاية والاعلام إلى أداة تعبئة رمزية، تركز على الشهادة والانتقام واستمرارية الفكرة، مع اعتماد مكثف على المنصات الرقمية السرّية لضمان بقاء الرسالة مؤثرة رغم الانكماش الميداني .
أما حاليا ً فان التنظيم يعتمد على استراتيجيات دعائية مزدوجة تجمع بين الإعلام الرقمي والتجنيد المحلي، مستغلًا تطبيقات مشفّرة مثل تلغرام ومنصات الإنترنت المظلم لنشر المجلات الإلكترونية (رومية، النبأ) والفيديوهات التي تستعرض إنجازات مقاتليه، ما استقطب آلاف الشباب من أكثر من 50 دولة، بدافع الانتماء والبحث عن الهوية والعدالة. كما تكثف صحيفة النبأ الأسبوعية من تغطيتها الدعائية منذ بداية 2025م، مركّزة على نشاط التنظيم في الولايات الإفريقية بهدف التجنيد والتعبئة.
رغم القيود المتزايدة من قبل الدول ومؤسسات مكافحة الإرهاب الرقمي على منصة تليغرام بعد 2019م، – حيث كانت المنصة المكان المفضل لدى التنظيم لنشر دعايته الإرهابية – استمر في نشر دعايته من خلال استراتيجيات رقمية متنوعة. فقد لجأ إلى الشبكة اللامركزية مثل RocketChat وZeroNet لنشر محتوى صحيفة النبأ وفيديوهات وكالة أعماق عبر شبكات P2P، ما أعطى المحتوى قدرة على الصمود أمام المحاولات الأمنية لإزالته. كما استخدم التنظيم منصات رسائل مشفّرة بديلة مثل Riot وHoop، إضافة إلى مواقع سطحية وأرشيفات رقمية متعددة، لتوسيع انتشار رسالته الإعلامية وضمان استمراريتها رغم الضغط على المنصات التقليدية .
وفي سياق استخدام آليات العولمة التكنولوجية، وظّف التنظيم أدوات رقمية متقدمة تشمل الذكاء الاصطناعي لإنتاج محتوى دعائي متعدد اللغات، استهداف الفئات العمرية والشبابية، وتخصيص الرسائل الدعائية وفق الاهتمامات الفردية والجغرافية، ففي ولاية خراسان، على سبيل المثال، ينتج التنظيم محتوى دعائي بلغات عدة تشمل البشتو، الداري، العربية، الأردية، الفارسية، الأوزبكية، الطاجيكية، الإنجليزية، والروسية والتركية، ما يعكس قدرة داعش على منافسة الدعاية الإعلامية لتنظيم القاعدة في نفس الساحات، مستفيدًا من الانتشار العالمي للإنترنت والمنصات الرقمية لتوسيع دائرة التأثير والتجنيد.
ويجدر الإشارة إلى أن هذا التوسع في الدعاية الرقمية يتيح لداعش الوصول إلى المتلقين في مناطق بعيدة عن مناطق سيطرته الميدانية، ويضمن استمرار تدفق المقاتلين والمتعاطفين مع التنظيم، حتى في ظل الضغوط العسكرية وفقدان السيطرة المكانية. كما يتميز التنظيم بالقدرة على دمج المحتوى الدعائي مع تحليلات نفسية واجتماعية لتحديد الحوافز الفردية، مثل الانتماء، الانتقام، أو البحث عن مكانة اجتماعية، ما يزيد من فاعلية الحملات الدعائية ويعزز صمود الشبكات البشرية للتنظيم
وقد أكد عدد من الباحثين والخبراء في مجال دراسة الجماعات الإرهابية أنّ التنظيم بات يستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي لتعزيز قدراته الدعائية على الإنترنت، بما في ذلك إنشاء نصوص ومقاطع فيديو مخصصة لجذب المجندين وتحفيز المقاتلين الحاليين، مع إمكانية تكييف الرسائل حسب اهتمامات الجمهور المستهدف وزيادة نطاق الانتشار على منصات التواصل الاجتماعي
.