عن المؤلفين
د. سعود الشرفات هو عميد متقاعد من المخابرات الأردنية، ومؤسس ومدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب. تركز كتاباته على قضايا العولمة والإرهاب العالمي.
هناك مخاوف من تجدد قدوم الخطر تجاه الأردن من حدوده الشرقية التي تسيطر عليها عملياً جماعات عسكرية مسلحة موالية لإيران.
مع تطور الحروب، غالبا ما تفقد الأطراف المعنية السيطرة على وكلائها، ويمكن القول بأن هذا ما حصل مساء الأحد 28 كانون الثاني/يناير 2024 عندما استهدفت “المقاومة الإسلامية في العراق” المدعومة من قبل النظام الإيراني قاعدة الدعم اللوجستي الأمريكية في (البرج-22) داخل الأراضي الأردنية وأسفر الهجوم عن مقتل ثلاثة، وجرح 40 من القوات الأمريكية.
ويبدو أن استهداف القاعدة الأمريكية قد تم بشكلٍ متعمد ومخطط له ويحمل رسالة تهديد للأردن وحليفه الأمريكي. من جهتها، ترى عمان أن الهجوم أكتسى أهمية كبيرة خاصة أنه جاء عقب قيام الأردن بتنفيذ ضربات جوية ضد أماكن تواجد مهربي المخدرات والأسلحة على الحدود الأردنية السورية في عدد من القرى ذات الأغلبية الدرزية في محافظة السويداء، الأمر الذي احتجت عليه السفارة السورية في عمان ووصفته بأنه خرق لسيادة الدولة في سوريا.
شكل حادث استهداف (البرج-22) تحذيراً خطيراً للأمن القومي الأردني لعدة أسباب مترابطة: أولها، أنه الحادث الأول الذي تنفذه “أطراف فاعلة ما دون الدولة”، جماعات عسكرية مسلحة شيعية موالية لإيران ومصنفه بالإرهابية ضد الأراضي الأردنية وضد الولايات المتحدة حليفة الأردن. وهكذا يمكن الهجوم بانه خرق لسيادة الأردن. وهذا ما لفتت النظر إليه مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف، في 1 شباط/فبراير 2024 عندما قالت في إيجاز صحفي لوزارة الخارجية الأمريكية بأنه: “كان هجوما غير مقبول على السيادة الأردنية والقوات الأمريكية”.
السبب الثاني، أنه أول استهدف ناجح من قبل الجماعات الإسلامية الشيعية المصنفة بالإرهابية ضد الأمريكيين العاملين في الأردن على خلفية الصراع السياسي بين العرب وإسرائيل. السبب الثالث، انه الهجوم الأول ضد القواعد الأمريكية في الأراضي الأردنية من قبل الجماعات الشيعية الموالية للنظام الإيراني تاييداً لحركة حماس. السبب الرابع، انه الهجوم الأول من نوعه في تاريخ العلاقات العسكرية الأردنية الأمريكية الذي ينجح بشكل متعمد في استهداف التواجد الأمريكي العسكري والقواعد الأمريكية، وينتج عنه خسائر في الأرواح والممتلكات، خاصة بعد توقيع “اتفاقية التعاون الدفاعي” بين عمان وواشنطن في 31 كانون الثاني/يناير 2021.
العمليات الإرهابية ضد المصالح الأمريكية في الأردن
كانت المصالح الأمريكية في الأردن خلال العقدين الماضيين عرضة لتهديد وخطر إرهاب الجماعات الإسلامية السنّية، خاصة تنظيم القاعدة- قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، وتنظيم “داعش”، وبعض عمليات الذئاب المنفردة. ولم يتعرض الأردن أو المصالح الأمريكية لأي عمليات إرهابية فعلية مُعلنة من قبل الجماعات الشيعية الموالية لإيران مثلما حدث في لبنان ودول أخرى على سبيل المثال. وهذا ما يدفعنا الى القول بأن عملية مهاجمة (البرج-22) في الأراضي الأردنية من قبل الجماعات الشيعية الموالية لإيران يشكل نقطة تحوّل مهمة في تاريخ ظاهرة الإرهاب في الأردن.
وحسب بيانات “مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب” في عمان، فقد تعرضت المصالح الأمريكية في الأردن بعد هجمات 11 أيلول 2001 الى ثمانية عمليات إرهابية مُعلنة على الأقل من قبل الجماعات الإرهابية السنية، أربعة أحبطت من قبل “دائرة المخابرات العامة”، واستهدفت واحدة من هذه العمليات الأربعة الجنود الأمريكان في قاعدة الجفر في جنوب الأردن.
ولم تسفر هذه العمليات الأربعة عن أي خسائر في الأرواح أو الممتلكات على الجانب الأمريكي. أما العمليات الإرهابية الفعلّية الأربعة الأخرى، فقد نتج عنها وفاة ستة أمريكيين. الأولى عملية اغتيال لورنس ميشيل فولي الذي كان يعمل في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بتاريخ 28 تشرين الأول/أكتوبر 2002، ونفذها ثلاثة أشخاص نيابة عن أبو مصعب الزرقاوي وقد تم محاكمتهم وإعدامهم لاحقاً. والعملية الثانية في تاريخ 19 آب/أغسطس 2005، حيث تعرضت سفينتين عسكريتين أمريكيتين من الأسطول الخامس الأمريكي وهما: “يو اس اس اشلاند” و”يو اس اس كيرساج” كانتا ترسوان في ميناء العقبة الأردني لهجوم بصواريخ كاتيوشا من قبل ما يسمى كتائب الشهيد عبدالله عزام التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وفى حين لم يسفر الحادث عن خسائر في الأرواح أو الممتلكات في الجانب الأمريكي، إلا أن العملية أدت الى مقتل جندي أردني وجرح آخر.
والعملية الثالثة، في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 حين أقدم أنوار أبو زيد يعمل نقيب في الأمن العام الأردني، أعتقد بأنه “ذئب منفرد” على قتل اثنان من المدربين الأمريكيين بالإضافة الى مدرب من الجنسية الجنوب إفريقية، ومواطنين أردنيين في مركز تدريب في الموقر – شرق عمان. والعملية الرابعة، في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2016 حيث أقدم الرقيب أول في القوات المسلحة الأردنية / معارك سامي أبو تايه – أعتقد بأنه “ذئب منفرد”–على قتل ثلاثة مدربين أمريكيين في قاعدة الملك فيصل العسكرية الجوية الواقعة في الجفر في محافظة معان اقصى جنوب الأردن.
ونلاحظ هنا أن ما يميز العمليات الإرهابية القاتلة التي نفذتها الجماعات الإرهابية السنية ضد الأمريكان في الأردن أنها تمت ليس عن طريق جماعات إرهابية معروفة، أو أفراد مدنّيين؛ بل عن طريق أفراد مدربين عسكرياً، (ضباط وأفراد) من القوات المسلحة الأردنية كانوا يتعاملون عن قرب مع القوات الأمريكية سواء في القواعد العسكرية، أو مراكز التدريب.
الخطر القادم من شرق الأردن
شهد الأردن خلال العقود الخمسة الماضية تهديدات وجودية للنظام والدولة من جهة حدوده الغربية مع إسرائيل الناتجة عن الحروب العربية مع إسرائيل، ومن الحدود الشرقية من النظام العراقي، ومن الشمال من النظام السوري؛ على خلفية محاولة تدخل النظاميين البعثيين في الأردن لمساعدة الفصائل الفلسطينية في أزمة أيلول الأسود عام. ومن المفارقات التاريخية أن الأردن آنذاك لجأ لطلب المساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية للمحافظة على بقاء النظام ووحدة البلاد والدولة، وقد ساعدت تلك العلاقة الأردن على تحقيق تلك الأهداف.
ومع ذلك، هناك مخاوف من تجدد قدوم الخطر تجاه الأردن من حدوده الشرقية التي تسيطر عليها عملياً جماعات عسكرية مسلحة موالية لإيران، خاصة ونحن نراقب تتدحرج العمليات العسكرية المحدودة -حتى الآن- على مثلث الحدود الأردنية العراقية السورية بوتيرة تبعث على الخوف من الانزلاق الى صراع مسلح وعمليات استنزاف مستمرة. وقد تتحول الردود العسكرية المتبادلة الى ساحة حرب بالوكالة لإيران تشبه تلك الموجودة في جنوب لبنان بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، وبين الحوثيين في اليمن وقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.
قد يبدو مثل هذا السيناريو مستبعدا وضئيل الاحتمال لدى الكثير من المحللين والاستراتيجيين، لكن حصوله سيكون كارثياً على الأمن القومي الأردني وعلى المصالح الغربية والأمريكية تحديداً. ومن ثم، فإن التدخل الاستباقي لمنع حدوث مثل هذا السيناريو يشكل مسألة ضرورية وذلك في ظل الأحداث الوخيمة المتواترة في المنطقة والتي تحذر من التراخي في القضايا المتعلقة الأمن القومي.
ومع ذلك، جاءت ردة الفعل الأردنية الرسمية تجاه استهداف (البرج-22) “خجولة” ومرتبكة في بداية الأمر. ورغم أن الأردن وصف العملية بالإرهاب؛ لكنه لم يُعبر في بيانه بعمق ووضوح عن خطورتها على الأمن القومي الأردني ومستقبل العلاقات الأردنية الأمريكية، رغم وجود اتفاقية تعاون رسمية بين البلدين. كما فشل البيان في الإشارة للعملية على أنها خرق متعمد لسيادة الأردن على أراضيه من قبل العراق وإيران. ويبدو أن السبب وراء ذلك كان ثقة عميقة من قبل الدولة العميقة في الأردن بأن الجانب الأمريكي – بما أنه المتضرر الرئيس من الهجوم – سيتولّى ونيابة عن الأردن؛ الرد على هذا.
وبالفعل هذا ما حصل من قبل الجانب الأمريكي من خلال قيامه بشن ضربات عسكرية استهدفت أكثر من 85 هدفاً لأماكن تواجد قيادات وكوادر الحرس الثوري الإيراني والجماعات المسلحة الموالية لإيران في العراق وسوريا، وعلى رأسها اغتيال القيادي البارز في كتائب حزب الله / وسام محمد صابر الساعدي (أبو باقر الساعدي) في وسط بغداد في 8 شباط/فبراير 2024.
ورغم أن وزير الدفاع الأمريكي/ لويد اوستن 2 شباط/فبراير 2024 لم يذكر في تصريحه حول الضربات مشاركة الأردن فيها، ونفي الأردن الرسمي عدم مشاركته في هذه الضربات، إلا أن بعض النواب العراقيين بدأوا تحركاً لفرض عقوبات على الأردن من خلال إلغاء الامتيازات الممنوحة في العلاقات الاقتصادية مع الأردن والذي يسمح ببيع النفط بأسعار مخفّضة. الأمر الذي لا يمكن فصله عن السلوك العدائي لإيران والجماعات العراقية الموالية لها تجاه الأردن ومصالحه.
تحالف الضرورة
جاءت زيارة الملك عبدالله الثاني لواشنطن ولقائه الرئيس بايدن في البيت الأبيض 12 شباط/ فبراير 2024 في وقت حساس جدا للأردن والولايات المتحدة. وفي مستهل حديث الملك عبدالله الثاني، أكد أن زيارته تحمل معنى إضافيا، إذ يحتفل الأردن والولايات المتحدة الأمريكية بمرور 75 عاما على الشراكة الاستراتيجية الاستثنائية بينهما. وهما بأمس الحاجة الى التحالف والتعاون المشترك وتعميق هذا التعاون الآن وفي المستقبل للتغلب على أزمات وصرعات الشرق الأوسط التي لا تنتهي.
ولا شك أن عملية استهداف القاعدة الأمريكية في الأردن ستساهم في إعادة تفكير وتقييم الحليف الأمريكي للمخاطر التي تواجه الأمن القومي الأردني وأمن قواعدها في الأردن وتأخذها على محمل الجد. وفى ظل هذه الأجواء المتوترة والمخاطر الأمنية الواضحة التي يواجهها الأردن، يجب أن تقوم الولايات المتحدة بتزويد حليفها الأردن بما يحتاجه من أنظمة الحماية الصاروخية مثل الباتريوت التي طلبها الأردن مؤخرا، وتزويده بأنظمة مضادة ضد الطائرات المسيرة. ومن جهة أخرى، إذا أقدمت الولايات المتحدة تحت الضغوط الداخلية، والضغوط العراقية والإيرانية لسحب القوات العسكرية الأمريكية من العراق وسوريا، سيشكل هذا كابوس للأمن القومي الأردني، لأن الفراغ الذي سيتركه الأمريكان ستملؤه إيران والجماعات المسلحة الشيعية الموالية لها، بالإضافة الى روسيا، وتركيا.
ومع ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أيضًا أن تدرك أن هناك احتمال لظهور معارضة شعبية في الأردن ضد القواعد الأمريكية، حيث إن وجود القواعد الأمريكية في الأردن كان له معارضيه، وله سلبياته ومخاطره وكلفته الأمنية جهة أن الأردن ممكن أن يصبح ساحة معركة جديدة مع استمرار الهجمات الإقليمية على الأهداف الأمريكية. ومع افتراض استمرار الحرب والتصعيد في غزة؛ والتآكل المتسارع في شعبية الولايات المتحدة في الأردن نتيجة دعمها للإجراءات الإسرائيلية في غزة، فمن المتوقع أن يتصاعد الضغط السياسي والشعبي على ألأردن في المستقبل، لاسيما إذا جرت الانتخابات البرلمانية نهاية العام ووصلت كتلة مؤثرة من الإسلاميين المتطرفين للسلطة. فقد يصل الضغط في مرحلة ما الى المطالبة بخروج القوات الأمريكية (حوالي 3000 عسكري) من الأردن، وإلغاء اتفاقية التعاون العسكري بين البلدين بحجج كثيرة؛ أقلّها إن الاتفاقية لم تُعرض على مجلس الأمة الأردني أصلاً. ومن ثم، فإن فهم واستباق التداعيات المحتملة للعلاقة الأمنية بين الولايات المتحدة والأردن يمثل امرأ ضروريا للإبقاء على علاقة صحية بين البلدين.
المصدر: سبق ان نُشر هذا المقال في منتدى فكرة -معهد واشنطن على الرابط: