الدكتور سعود الشرفات
مراجعة الكتب
رافق صعود الجماعات الإرهابية مسرح الأحداث العالمية، في حقبة العولمة المعاصرة، مع ظاهرة تركيز هذه الجماعات على الإعلام على نطاق واسع، خاصّة بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، الذي ترافق أيضاً مع انفلات آليات العولمة التكنولوجية والتطور الهائل الذي دخل على وسائل الإعلام، وبالذات وسائل التواصل الاجتماعي.
ترافق صعود الجماعات الإرهابية مسرحَ الأحداث العالمية مع ظاهرة تركيزها على الإعلام
لقد أصبحت بعض المنظمات الإرهابية الأكثر فتكاً في العالم، مثل القاعدة، داعش، اليمين المتطرف في الغرب، مؤسسات تركز على وسائل الإعلام، بينما تختطف أيضاً ديناً عالمياً رئيسياً، وتسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي المادية، وتحكم سيطرتها على عالَمها الافتراضي.
لقد حظيت هذه الظاهرة بالاهتمام الشديد في الغرب من كافة الجوانب، وخاصة الجانب الإعلامي ومساهمات باحثي ومنظّري وسائل الإعلام لتحليل ودراسة العلاقة بين الإرهاب ووسائل الإعلام.
اقرأ أيضاً: هل ينجح الإرهاب في تحقيق أهدافه؟
في هذا المجال قدّم (فيليب سيب) (Philip Seib) أستاذ الإعلام والدبلوماسية والعلاقات الدولية في جامعة جنوب كاليفورنيا، المختص في الإعلام العربي (له عدّة دراسات حول فضائية الجزيرة القطرية)، قدّم خدمة كبيرة لأولئك الذين يتابعون الأحداث والأخبار التي تحرّكها وسائل الإعلام المرتبطة بالإرهاب المستوحى من الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط وأفريقيا، مثل؛ القاعدة وداعش وبوكوحرام، من خلال كتابه المعنون: مع تطوّر الإرهاب: الإعلام والدين والحكم (As Terrorism Evolves: Media, Religion and Governance).
في هذا الكتاب المقتضب والمكثف، الذي صدر باللغة الإنجليزية العام 2017، ويتألف من 5 فصول و188 صفحة، يتتبع (سيب) كيف انتشر الإرهاب وازداد خطره بشكل كبير في الفترة القصيرة نسبياً بين صعود القاعدة وقيام داعش، مع الاهتمام الوثيق بالصلات بين الإعلام والدين والعنف، ويقدّم تحليلاً ثاقباً لكيفية عمل منظمات مثل؛ القاعدة وداعش وبوكو حرام، ويتأمل كيف يمكن أن يستمرّ الإرهاب في التطوّر، ويتميز الكتاب بأسلوبه الواضح، ولذلك لم يَضِع أبداً في النظرية الفلسفية أو السياسية المطوّلة.
يتتبع الكتاب كيف انتشر الإرهاب وازداد خطره في الفترة القصيرة نسبياً بين صعود القاعدة وقيام داعش
يناقش الكتاب الحماسة الدينية والسياسة والقوى المالية التي أنتجت أحداثاً مثل 11 سبتمبر، وداعش في سوريا والعراق وليبيا، والهجمات الإرهابية في الشرق الأوسط وأوروبا، مع التركيز دائماً على كيفية تصفية الأحداث مع زيادة التطور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي النهاية من خلال المنافذ الإخبارية الرئيسية في العالم.
يقول سيب: إنّ إرهاب القرن الواحد والعشرين يتمّ تمكينه من خلال وسائل الإعلام الجديدة، ويعتمد على الشبكات الاجتماعية كنسيج محفّز، مع التفاعل في وقت واحد مع الدين والمظالم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
اقرأ أيضاً: “مكافحة الإرهاب الجديد”.. كيف تغيرت الأساليب والغايات؟
يشير الفصل الأوّل، الذي جاء تحت عنوان “طبيعة الوحش”، إلى “أنه خلال سنوات الحرب الباردة كنا نعرف بشكل أساسي من هو العدو، وأين كان العدو، وما الأسلحة التي يمتلكها العدو؟ بالانتقال إلى عصر أكثر معاصرة، يلاحظ المؤلف أنّ الإرهابيين غالباً ما يكون لديهم بدايات ومواقع مراوغة، إذا رغب أحد في التفاوض معهم، فهل سيبدأ؟ غالباً ما يكون من المستحيل الدفاع عن مرتدي السترة الانتحارية أو سائق السيارة الذي يستهدف مجموعة من عربات الأطفال المطمئنة”.
في الفصل الثاني، بعنوان “باسم الله”، نتذكر أنّ المصطلح المستخدم كثيراً “الحرب المقدّسة” ليس جديداً، فطوال 400 عام أو نحو ذلك، انتقل الصليبيون من أوروبا إلى الشرق الأوسط بحماس ديني، ما يزال لا مثيل له في المدّة والحماس، عندما احتلوا القدس عام 1099 قتلوا معظم السكان المسلمين واليهود ، تتمثل إحدى نقاط القوّة في هذا الفصل في مناقشة كيفية نجاح بعض الجماعات الإسلامية في إعادة بناء فهمهم للدين ليناسب الأهداف الإرهابية”.
إرهاب القرن الواحد والعشرين يتمّ تمكينه من خلال وسائل الإعلام الجديدة
الفصل الثالث “تنظيم الإرهاب” يبحث في بدايات الإرهاب المعاصر المرتبط بالشرق الأوسط، ويشير إلى دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ عام 1972 وقتل الإسرائيليين على يد حركة “أيلول الأسود” الفلسطينية، التي حفزت عملية “غضب الله” الإسرائيلية، ونشاط تنظيم القاعدة وبوكو حرام وحزب الله وداعش على نطاق واسع، مع التركيز على التمويل وأولئك الذين تجذبهم، وتتضرّر من هذه الجماعات.
أمّا الفصل الرابع، الذي جاء تحت عنوان: سلاح وسائل الإعلام، فيُنصح الدبلوماسيون والأكاديميون والصحفيون بقراءته، أولئك الذين يسعون إلى مناقشة متماسكة حول كيفية استخدام تكنولوجيا المعلومات الحديثة من قبل أولئك الذين اعتقدوا في السابق أنها غير معقدة، للتأثير على المتابعين والرأي العام عبر منافذ الأخبار الرئيسية في العالم.
ينتقل الفصل الأخير إلى المستقبل، وجاء تحت عنوان: “ما ينتظرنا في المستقبل”، وهو فصل مختصر جدّاً، ويتناول عولمة ومستقبل الإرهاب، وهل يمكن القضاء عليه؟ وتناول تنظيم داعش والقاعدة، وتوقع أنّ سوريا ستبقى في حالة فوضى، وأنّ هناك احتمالاً لصراع سنّي ـ شيعي في العراق، وبالتالي عودة تنظيم داعش، وتخوّف من حصول الجماعات الإرهابية على الأسلحة النووية.
القادة الإرهابيون المتمرّسون يفهمون وسائل الإعلام بشكل أفضل من معظم المتخصّصين بأخبار الإرهاب
قدّم الكتاب عدداً من الملاحظات المهمّة، نذكر منها: أنّ القادة الإرهابيين المتمرّسين يفهمون وسائل الإعلام بشكل أفضل ممّا يفهمه معظم المتخصّصين في أخبار الإرهاب”، فبعد قطع رأس رجل الأعمال الأمريكي (نيكولاس بيرج) في العراق من قبل تنظيم أبو مصعب الزرقاوي، “تمّ نشر مقطع فيديو لهذه الجريمة على الشبكة في 11 أيار (مايو) 2004، وفي غضون 24 ساعة تمّ نسخه على مواقع أخرى، وتنزيله أكثر من 500000 مرّة”.
اقرأ أيضاً: المفاهيم المختلطة: كيف نفصل بين الإرهاب وجرائم الكراهية؟
وللتدليل على أهمية الإعلام، كتب زعيم إرهابي عربي معروف إلى آخر: “أقول لكم إننا في معركة، وإنّ أكثر من نصف هذه المعركة يدور في ساحة معركة الإعلام”، أمّا في التقنية، فإنّ مفهوم (Yopmail)، الذي يُشار إليه باسم “الهاتف الناري للبريد الإلكتروني”، يمنح المستخدمين عنوان بريد إلكتروني يمكن استخدامه من قبل الإرهابيين لمدة 8 أيام دون تسجيله”.
اقرأ أيضاً: ماذا يعني استمرار استهداف “داعش” للأردن؟
وفي إشارة إلى جهود التجنيد التي يقوم بها تنظيم القاعدة وداعش في السجون الأوروبية، يقول: في فرنسا حيث يشكّل المسلمون حوالي 8% من السكان، فإنّ 50 ـ 60% من نزلاء السجون في البلاد مسلمون، غالباً ما يصبح المدانون بتهم تتعلق بالإرهاب رؤساء داخليين، ويفرضون سلوكاً (مثل منع الاستماع إلى الموسيقى)، ويشرفون على التدريس في نسختهم من المبادئ الإسلامية.
الحكومات الفاشلة والمختلة في كثير من الأحيان تقدّم أسباباً وملاذاً لتجنيد الإرهابيين وتدريبهم
أخيراً، يلاحظ (سيب) حقيقة يتمّ التغاضي عنها كثيراً، وهي أنّ الحكومات الفاشلة والمختلة في كثير من الأحيان في الشرق الأوسط وأفريقيا تقدّم أسباباً وملاذاً لتجنيد الإرهابيين وتدريبهم. ويقترح (سيب) فرض تدابير جديدة لجهود مكافحة الإرهاب، ويؤكد على أهمية القوة الناعمة، ويقدّم حجّة قوية للاعتراف بأننا دخلنا حقبة من الإرهاب من مدة غير محددة.
في الخلاصة؛ يقدّم الكتاب سرداً متطوّراً لإرهاب القرن الواحد والعشرين، وسيكون مفيداً للطلاب وغير المتخصصين المطلعين على المعلومات، حيث يقدّم تحليلاً محدثاً للطرق التي يتطوّر بها الإرهاب، والنظر في المنظمات الإرهابية المتعددة عن كثب، والتفكير في ما قد يجلبه المستقبل من تسليط ضوء جديد على وسائل الإعلام التي تستخدمها المنظمات الإرهابية، ودور الجهود الإعلامية والقوة الناعمة في جهود مكافحة الإرهاب، مع معالجة دور الدين – ولا سيّما الإسلام ـ بصفته عاملاً في الإرهاب ومكافحة الإرهاب.
يلاحظ المؤلف أنّ الإرهابيين غالباً ما يكون لديهم بدايات ومواقع مراوغة
ويشكّل الكتاب نظرة عامة لتعريفات الإرهاب، وأسبابه الرئيسة وجذوره التاريخية، وأهداف الجماعات الإرهابية الرئيسة، وأساليبها، وممارساتها الإعلامية، ونتائجها، وخيارات الاستجابة الحكومية الأخيرة والمستقبلية المتاحة للتعامل مع مثل هذه التهديدات. ويوفر سياقاً مهمّاً للخلافات التي يثيرها الإرهاب في القرن الواحد والعشرين.
ولذلك، يمكن أن يكون من الكتب التي يجب قراءتها لبعض فصول وسائل الإعلام الدولية، وكذلك للطلاب الجامعيين وطلاب الدراسات العليا في كليّات الدبلوماسية، ويجب أن يكون في حوزة جميع المؤسسات الإخبارية التي تغطّي الإرهاب في العصر الحديث.