بشار جرار يكتب من واشنطن
عن نفاد صبرنا
لا مناص من الترجمة لمن لا يفقه السورية.. “فرقونا” فعل رجاء أو أمر موجّه للجماعة المراد رحيلها لدواع تتراوح بين الضجر، الانزعاج، أو الأذى الجسدي والنفسي. أما “المشرمحي” فتعني يا أبناء “خير أمة أخرجت للناس” وأخوة “الأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة” تعني باللسان السورياني الفصيح: بصريح العبارة وهي اقتباس لطيف للآية الكريمة “ألم نشرح لك صدرك”؟
أما بعد، فمن الناحية السياسية – الأكاديمية والعملية – لا يعقل أن تتولى منظومة مسؤولة عن الأزمة والفشل بكل أشكاله من فساد، قمع، إرهاب أو عمالة (سافرة أم مقنعة – ظاهرة أم باطنية)، تتولى الإصلاح والتغيير. فاقد الشيء لن يعطيه والساكت عن جرائم الماضي لا يملك الشجاعة الأخلاقية ولا المعرفة ولا الخبرة المطلوبة لتدخل جراحي نخاعي لا ترقيعي ولا حتى تجميلي.
ولأن الأنظار كلها متجهة إلى بيروتشيما -ولا أؤيد من شطب تاءها لغايات السجع مع هيروشيما، فالفارق بين بيروت وبيرو كبير وإن جمعت بينهما تجارة المخدرات والسلاح- فإنني سأحصر حديثي عن المنظومة الحاكمة في لبنان والتي تعود إلى ما قبل اتفاق الطائف وتلامس البدايات الخاطئة للخطيئة الفرنسية في المقام الأول قبل مئة عام تحل بالتمام والكمال في “الفاتح من سبتمبر”!
نعم الخطيئة الأولى فرنسية عندما قامت وشريكتها بريطانيا العظمى بالخضوع لهمجية الاقتتال الإثني عرقيا وطائفيا، فسرقت أوطانا وسلخت أقاليم وقصت ولصقت في موازاييك مشرقنا المكلوم على هواها فيما ظن مستشرقوها ومستغربينا أنه أنفع لأبار النفط وخطوط الطاقة والتجارة أكثر منه تحقيقا للسلام والوئام.
ولأن فرنسا هي من أوت الخميني وأعادته على متن “الإير فرانس” إلى طهران، فإنها قد صبّت عن النار زيتا ونبشت قبورا من الأحقاد العرقية والطائفية التي لا تنتهي. أما روسيا التي تحالفت يوما مع تركيا في وجه الغرب الشريك لها بالإيمان المسيحي وإن اختلفت بالمعمودية، فإنها تغض الطرف مرة أخرى الآن عن همجية العثمانيين الجدد في ساحات عدة من سوريا والعراق وليبيا وآيا صوفيا وتلك كبيرة بحد ذاتها لدرجة أن يتبجح بعد إعادة احتلالها بأسابيع وزير الخارجية التركي من قلب بيروت المنكوبة بعرض الجنسية التركية على تركمان لبنان! آمان ربي آمان؟!
مأساة لبنان الآن أنه قد فات الأوان أمام الجميع اللهم باستثناء مؤسسة الجيش ومن فوقها المؤسسة الروحية الأقدم أو على الأقل الأسبق سياسيا في قيام لبنان الكبير وأعني بذلك البطركية المارونية في بكركي.
الخلاص برحيلهم طوعا أو قسرا جميعهم بمن في ذلك الشريف الضعيف الذي استكان أمام طوفان الفساد والإرهاب والعمالة. كنا أيام الشباب نتندّر بألم على مظاهرة بيروتية رفعت شعار: اعطونا ديموقراطية أو “نفلّ” نهاجر لفرنسا. ليمر عليها زهاء نصف قرن فتتحول إلى عريضة خطية بيروتية وقع عليها ما لا يقل عن ست وثلاثين ألف لبناني طالبوا الرئيس الفرنسي الزائر أمانويل ماكرون بعودة الانتداب الفرنسي إلى لبنان. كان أمام أولئك الشرفاء الضعفاء الهجرة، فأرض الله واسعة لكنهم ارتضوا لأنفسهم دور الشريك أقروا أم أنكروا. مشاركتهم في البرلمان والحكومة والرئاسة باتت غطاء لما يمرر من تحت أنوفهم من جرائم تزكم لها أنوف سكان قبرص التي وصلها عويل بيروتشيما انفجارا أم تفجيرا..
رحم الله الحسين بن طلال باني الأردن كما يعرفه ويعرّفه عشاقه. لكنه في نظري فادي الأردن قبل أن يكون بانيا. في أيلول عام ١٩٧٠ الذي يصفه البعض بالأسود ولا أراه إلا أبيضا، اتخذ الحسين القرار الصعب وربما الأصعب في حياته الشخصية والسياسية. لم يسمح بعد صبر طويل بأن يتم اختطاف الدولة أو أن تعلو الوطن رايات سوى راية الأردن وصنوف أسلحة جيشه الواحد الأوحد. كانت حملات التضليل والتدليس والتدجيل والتحشيد كثيرة وتم تمويلها بـأموال حرام، لكن الحق كما هو دائما يعلو فانتصر الأردن ولم يتعلم الكثيرون من الأخوة والأصدقاء من الدرس، فتوالت كوارث الميلشيات والفساد والإرهاب والعمالة على ساحات شرق أوسطية كثيرة من ضمنها لبنان المنكوب.
الحل بسيط إن سلمت النوايا.. إقالات واستقالات جماعية، محاكمات علنية، إنهاء ظاهرتي المربعات والجزر الأمنية، وانتخابات عامة رئاسية وبرلمانية بإشراف أممي تؤسس لقيام لبنان علماني. وكما يقول اللبنانيون في جميع لهجاتهم الفرعية: ما تشارعني! بمعنى لا تجادلني فيما أقول فالشريعة ليست واحدة لكن ربنا واحد، الدين لله والوطن للجميع..