بات من شبه المؤكد أن الأوبئة كما الحروب هي من أهم الظواهر المعولَمة، او لنقل تلك التي تنتجها العولمة بتفاعلاتها المتشابكة والمعقدة، فكما التكنولوجيا، والشركات متعدية القارات والجنسيات، وسلسلة المتاجر، والمطاعم؛ ووسائل الاتصالات الحديثة، والشبكة العنكبوتية؛ وحتى تيارات وجماعات العنف والإرهاب Currents of violence and terrorism ؛ بات الوباء pandemic من أكثر المنتجات عولمة، وبات من شبه المؤكد-على الأقل الآن مع كورونا- أن الأوبئة لا تختلف كثيرا عن أي سلعة ممكن أن تنتجها العولمة وفق منظومة التشابك بين الأبنية الاجتماعية والإقتصادية،والسياسية، والثقافية مع كل ما يدور ويختمر في دواخل تلك الأبنية والهياكل الكبرى وبالطبع على مستوى العالم.
فعلى
اعتبار أن لحظة العولمة moment of globalization ليست ثابتة او مستقرة، بل مزدحمة بالتحولات الكبرى، كما ان
طبيعة هذه التحولات ليست سطحية بل انها سريعة وعميقة بنفس الوقت حتى لو قارنَّا
ذلك بمعايير عصر السرعة، فلم يعد بالإمكان التحكم في سرعة وتسارع الأحداث، ويعد
ذلك من اهم سمات العولمة في الوقت الحاضر، وهذا يتبعه تسارع مصاحب على المستوى
الذهني للبشر؛ اقصد أن هذا التسارع قد جعل البشر عاجزون أمام هذا السيل الهائل من
الأحداث من التحكم أو التأثير فيه، وقد وجدوا انفسهم مرغمون للخضوع له بلا حولٌ
ولا قوة، وهذا من شأنه خلق موجات من الخلل والاضطراب على المستويين النفسي والاجتماعي
Stream
of Social disorder.
ربما لم نكن نحن وحدنا من يفكر بأن عالم الأوبئة، ربما يشبه عالم
الحروب، او اقلها عالم التكنولوجيا، والسوق، ولكن أستطيع القول لربما كان وباء
كورونا يعمل وكأنه احد أذرعة هذه العولمة التي تحدّث ويتحدث عنها أناس كثر غيرنا،
هُنا لا بد لنا من تذكر بأنه هناك قطاع كبير من الناس، ممثلاً بالشركات،
والمؤسسات، وحتى بعض الدول، وحتى الناس العاديون ينظرون الى العولمة بأنها جهاز
هيمنة من قبل الدول والشركات والمؤسسات الكبرى يسعى لتوحيد العالم تحت هيمنة
السوق، وتحويله الى قرية كونية تتحكم بها الأجهزة الإعلامية الإمبريالية وتهدف الى
“أمركة” العالم وترسيخ الهيمنة الأميركية، ودليلنا
على هذا ما يدور اليوم من صراع محموم ومحتدم، تارة يظهر وتارة يتوارى
بين كل من عملاقي الإقتصاد العالمي: اميركا والصين، وهذا ما اعطى الكثير من الناس
بعض الأدلة على أن هذا الوباء ما هو الا خليط مُصنَّع من مجموعة مُطَورة من
الڤايروسات، وبالتالي أخضعوا انفسهم من دون وعي لما يُسمى ب”نظرية
المؤامرة” Conspiracy theory متجاهلين كل ما احدثه هذا الوباء من ويلات طالت جميع أنحاء
العالم، وراح ضحيتها مئات الآلاف من البشر، بل وربما شارف العالم على الوقوع بما
عرف بحقب ماضية “بالكساد الكبير” Great
depression على المستوى الإقتصادي.
وبهذا فإن كورونا فعل تماما ما تفعلة أي من الظواهر العولمية اذ بات الفايروس
ينتفل بسرعة عابرٌ للقارات محدثٌ فيها ما نراه اليوم من توحيد لطرق المكافحة
وأساليبها تكاد تنسحب على جميع بقاع الأرض تلك التي غزاها،فهناك تشابه كبير بل
يكاد يتطابق من حيث إجراءات الوقاية، على المستويين الدولي، والفردي، فقد عمدت كل
الدول على تفعيل قيم التباعد الإجتماعي Social distancing وهذا أحد أهم تجليات عولمة الوباء، إذ انتقلت هذه الإجراءات
بشكل سريع، ولم تقتصر على الإجراءات الوقائية الطبية بل إنسحب ذلك على الإجراءات
الإقتصادية، والسياسية، وحتى الإجتماعية،و فيما يتعلق بحركة السفر عبر المطارات،
والبر، والمنافذ البحرية، وسن القوانين المتعلقة بالبنوك والمؤسسات المصرفية، وقوانين
الضمان الإجتماعي، والحماية الإجتماعية، وقوانين الدفاع المتعلقة بذلك.
خالد فيّاض الشرفات/ باحث في علم الاجتماع/الأردن.
عضو الهيئة الاستشارية في مركز شُرُفات