د. سعود الشرفات
مدير مركز شُرُفات لدراسات العولمة والإرهاب
السؤال الأول الذي قد يطرح هنا هو: ما العلاقة بين العولمة والإرهاب وتعديل المناهج؟
بداية، أود التأكيد على أن العنوان ليس ساخرا، ولا نكتة جديدة أصبحنا نحن الأردنيين نتفنن في إنتاجها وتبادلها على “واتس آب”، ومواقع التواصل الاجتماعي. ولا هو نكتة تفنن إخوتنا المصريون في تبادلها مع بداية انطلاق الحديث عن العولمة في الوطن العربي أواخر الثمانينيات. والنكتة المصرية المعروفة هي أن فلاحا صعيديا منهمكا بالعمل في الحقل، يتوقف فجأة ويسأل صديقه باستغراب شديد: هي إيه العولمة؟! والكثير من الأصدقاء والمعارف الأردنيين، وعلى اعتبار أنني متخصص في العولمة، ما يزالون يسألونني السؤال ذاته. وهو ليس سؤالاً افتراضيا بحتا كي يجري إثباته والتحقق من صحته العلمية.
لا أحب الحديث في الانطباعات الشخصية ولا الأيديولوجيا والحتميات في تناول القضايا، سواء الكبرى منها، كالبحث في ظاهرة العولمة أو الإرهاب العالمي أو التطرف الديني، وهي مواضيع أثيرة إلى نفسي، أحب التحدث بها كما هي مجال تخصصي العلمي؛ كما لا أحبذ الحديث في القضايا التفصيلية الدقيقة الخاصة، مثل قضية تعديل المناهج في الأردن. لذلك، فإنني أعتمد المنهج “الكلّاني”، بمعنى أن “المجموع أكثر من حاصل مجموع الأجزاء” في تحليل القضايا التي تبدو مختلفة ولا روابط بينها، كقضية تعديل المناهج في الأردن وعلاقتها بالعولمة والإرهاب.
كذلك، أرفض البداهة والوثوقيّة المفرطة في تناول الأشياء والقضايا والظواهر. وأعتبر البداهة عنفاً أصلاً. وكما يقول رولان بارت: “إنّ العنف الحقّ هو أن تقول: طبيعي أن نعتقد هذا الاعتقاد، هذا أمر بدهي”.
بعد ذلك، أستطيع القول، وبكثير من الثقة المدعمة بالبحث العلمي، إن سيرورة العولمة ساهمت بشكل كبير ٍوفعّال في نشر وتوسيع الإرهاب العالمي. وقد اشتغلت على إثبات صحة هذه العلاقة أكاديميا وبحثيا، وسبق أن كتبت ونشرت كتبا حول ذلك. غير أن العلاقة التي ما تزال مثارا للجدل والنقاش والاختلاف تتمثل في: ما هي علاقة العولمة بالتطرف الديني كظاهرة إنسانية؟
أزعم أن هذه العلاقة ما تزال خلافية وملتبسة جدا، كما أنها خاضعة للانطباعات الشخصية والتحليل الرغائبي. غير أن “الاتجاه العام”، من دون بداهة أو وثوقيّة، يذهب نحو تأكيد أن العولمة ساهمت في نشر ظاهرة التطرف الديني، ليس الإسلامي فقط، بل في الأديان والمعتقدات كافة، لاسيما من حيث أن الدين تعبير عن الهوية الخاصة لأي مجتمع، حتى لو كانت هوية متخيلة. ولا يخرج عن هذه القاعدة إلا بعض الدول والمجتمعات التي حسمت أمرها مبكرا باتجاه التخلص من فضاء الدين كمعبر عن هويتها الخاصة.
الآن، إذا توافقنا على أن الدين، وأشكال التدين كافة، تعبير عن هوية مهما كان شكلها، ثم اعتبرنا أن المناهج الدراسية في الأردن أو في أي بلد آخر، هي تعبير عن الهوية الخاصة، فإن هذا يعني أن أي محاولة لتعديل أو تغيير هذه المناهج، يعني المساس بالهوية الخاصة، ثم المساس بالدين بما هو معبر عن الهوية.
في الأردن، تم طرح المسألة وفق فرضية أن المناهج الدراسية تساهم في ظاهرة التطرف الديني والعنف والإرهاب ورفض الآخر، لذلك لا بد من تعديلها. فيما على الجهة المقابلة، جاءت المعارضة استناداً لفرضية أن هذا التعديل ضد الدين، وضد الهوية الخاصة. وتم تسويق هذه المعارضة شعوبيا.
أين يأتي دور العولمة في هذه المعادلة؟
العولمة سيرورة جارفة ومتسارعة جدا، تفتت البنى الاجتماعية والثقافية والسياسية، وتغير كل شيء في طريقها. فهي لا تحترم الهويات الخاصة ولا تحفل بالخصوصيات. وهي بالتأكيد لا تحفل بالدين وأشكال التدين كافة. لذلك، نرى أنها مكنت الإرهابيين من امتلاك واحتكار شبكات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال والمواصلات، لنشر الرعب والإرهاب والتوحش. وهي ظاهرة غير انتقائية. ولذلك، فإنها مثلما غيرت في علاقاتنا الاجتماعية والثقافية وأذواقنا، وفي عاداتنا وتقاليدنا، وأكلنا وشربنا وملبسنا؛ فإنها حتما ستغير في مناهجنا الدراسية. وهي إذ تفعل ذلك، فليس لأنها ضد الإسلام أو الدين، أو ضد مناهجنا الأردنية المميزة والخارقة التي تخرّج العلماء والعباقرة وحملة جوائز نوبل كل عام! لا، المناهج يجب أن تُعدل ليس لأنها تشجع وتساهم في نشر التطرف الديني والإرهاب، وليس لأن هذا الأمر مطلب من جهات خارجية، أو مطلب علماني أو ليبرالي أردني. إنها طبيعة التطور والتقدم اللذين دعا إليهما الإسلام أصلا، وضرورة استيعاب مطالب العصر ومصلحة الأجيال المقبلة ومصلحة أبنائنا في المستقبل.
متى سنرى أردنيا يفوز بجائزة نوبل؟
- نشر المقال في صحيفة الغد الأردنية الخميس 20-10-2016