الارهاب هو ارهاب الهجوم القادم…
أرجون أبادوراي،الخشية من الاعداد الصغيرة:دراسة في جغرافية الغضب،2010
يمكن القول إنه ـ وبالقدر الذي أثاره الجدل حول مفهوم العولمةـ فقد أثار مفهوم الإرهاب جدلاً متشعباً وواسع النطاق (معولم) إن من حيث تحديد المفهوم، أو الخلفيات، أو تأثيره على الدولة، أو من حيث الأسباب، لكنّ المميز هو أن الجدل اتخذ طابعاً سياسياً بعد هجمات 11/أيلول/2001، لذلك صرّح الرئيس الأمريكي(بوش الابن) قائلاً: “إن الحرب على الإرهاب: نضال من أجل الحضارة، وحرب سترسم مسار القرن الحادي والعشرين، وهي أكبر من الصراع العسكريّ، وستحدد مصير الملايين عبر العالم”([1]).
وتبرز هجمات 11/أيلول/2001، وتتكرر في ثنايا البحث في أدبيات الارهاب المعاصرة ليس تحيزاً لطرف دون طرف آخر، بل لأن هناك شبه إجماعِ لدى الباحثين بأن تلك الهجمات” أنشأت فصلاً جديداً في العلاقة التنافسية التاريخية بين الدول ،والأطراف الفاعلة من غير الدول وعلى رأسها الجماعات الارهابية “([2]).
كذلك فإن تلك الهجمات فتحت الباب على مصراعيه لإعادة فتح هذا الملف الذي بقي لفترة من الزمن وكأنه يخصّ فئة أو منطقة جغرافية بعينها، إضافة إلى أنها هزّت واقع النظام العالميّ وزعزعت عدداً من المبادئ المستقرة لما يسمى “بالنظام الويستفالي” للدول، كذلك غيّرت وبدّلت وخلّفت كثيراً من المفاهيم والمسلّمات السياسية والثقافية وسط تصادم لعوالم القوة والقانون والإرهاب والحوار([3]).
فعلى الجانب الثقافيّ والابستمولوجيّ، يخطئ كثير من الباحثين والدارسين العرب حين يدرسون بعض المصطلحات والمفاهيم المترجمة، معيدين إياها إلى الجذر اللغوي فقط، ثم إلى معانيها في النصوص الشرعية أو التراثية، فمثلاً “الإرهاب” ليست من الألفاظ الشرعية، وبذلك فإن دراستها مختلفة([4]).
والإرهاب في الإسلام ليس له علاقة بالجهاد حسب رأي قطاع واسع من علماء الإسلام ومفكريه، وعلى مختلف الطوائف والمذاهب، وإن كان الجهاد يأخذ أشكالاً كثيرة، بما في ذلك استخدام القوة، والحرب المقدسة مصطلح ليس له وجود في المفردات والمفاهيم الإسلامية، ومن القواعد الإسلامية الأصيلة المعتمدة الخاصة بالحرب مبدأ أنّ غير المقاتلين ليسوا أهدافاً جائزة أو شرعية، ويبدو هذا المبدأ غاية في الأهمية لحسم الجدل الابستمولوجيّ حول تعريف الإرهاب، من حيث تأطير عدم استهداف غير المقاتلين (المدنيين) ([5]).
كذلك فالاتحاد الأوروبي ـ وعلى عكس أمريكاـ لم يضع حزب الله على قائمة التنظيمات الإرهابية، وقد صرح وزير خارجية فنلندا إيركي توموجا خلال اجتماع طارئ لوزارة خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل 1/8/2006م:بأنّ الاتحاد لن يبحث هذا الموضوع، وبخاصة في ظل حرب إسرائيل على الحزب، ومطالبة (213) عضواً في الكونجرس الأمريكي بذلك من خلال خطاب وقعوه، وأرسل إلى (خافيير سولانا) منسق الشؤون السياسية في الاتحاد، ولعل هذا يؤشر إلى درجة الخلاف بين أمريكا وأوروبا بخصوص النظر إلى تعريف الإرهاب([6]).
وعند النظر في التعريفات المختلفة للإرهاب (لاحقاً) يبدو التعريف الفرنسيّ مميزاً وفريداً من حيث تعريفه للإرهاب؛ إذ يعرّفه بأنه: “عمل مستهجن، يتم ارتكابه على إقليم دولة أخرى، بوساطة أجنبيّ ضدّ شخص لا يحمل جنسية الفاعل نفسه، بهدف ممارسة الضغط في نزاع لا يعدّ ذا طبيعة داخلية”([7]).
لقد أدى التنوع الكبير في تعاريف الإرهاب إلى قيام بعض الباحثين في القسم الفيدراليّ بمكتبة الكونجرس ـ مثلاً ـ إلى الإشارة إلى أنّ هذا التنوع يبدو غير ملائم؛ لذلك فإن كثيراً من الباحثين يهملون تعريف هذا المصطلح أو المفهوم، وتبدو سلبيات وإشكاليات التعريف فيما يلي:
أ ـ أن المفهوم غامض غير محدد.
ب ـ التباين في تحديده والاضطراب فيه.
ج ـ تعدد التعريفات.
د ـ التعريفات الموجودة نسبية وتحتمل بعض التباين والاختلاف.
هـ ـ عدم وفاء اللفظ للمعاني الداخلة فيه ([8]).
إن ضغوطات الإرهاب تعمل بفاعلية كبيرة، تتجاوز ردّ الفعل الآليّ التجزيئيّ إلى ردّ فعل كليّ تجاه كل سياسات “مكافحة الإرهاب” التي اتخذت شكلاً عولمياً، وبات بعض من في الغرب يرون بأن شبكات الإرهابيين تشكل اليوم نوعاً جديداً من العولمة العسكرية([9]).
إن دراسة الإرهاب على أنه حقل مستقل للدراسة (Discipline) لم تتمّ، ولم تحظ باهتمامِ الباحثين ـ سواء في الغرب أو في العالم الإسلامي ـ إلا بعد هجمات 11/أيلول/2001، أما قبل ذلك فكانت هناك محاولات متفرقة، وبخاصة في الدراسات الأمنية الحكومية، لكنها لم تكن حقلاً معرفياً (إبستومولوجيا) مستقلاً، وقد كان هذا الأمر مبعث شكوى لدى بعض الباحثين في هذا الحقل([10]).
ثم جاءت هجمات 11/أيلول/2001، وبرزت مفاهيم جديدة، زادت من صعوبة الدراسة في هذا الحقل، حيث تغيرت بعض المُسلَّمات والمفاهيم مثل: المفهوم الذي استخدمه (جورج بوش الابن) لوصف مقاتلي القاعدة، وطالبان، وهو ” المقاتلون غير الشرعيين” الذي يستخدم لأول مرة في التاريخ، وذلك ليتهرب من اعتقالهم خارج أمريكا في خليج غوانتنمو (GITMO)، ثم حين أكد الرئيس (بوش الابن) في مذكرة سرية “بأن أمريكا، بعد 11/أيلول/2001 لم تعد هي التي تحدد السياسة العالمية، بل الإرهابيون”([11]).
هذا الوضع لم يكن موجوداً في الشرق، (وبخاصة في الشرق الأوسط)… لماذا؟ لأن المنطقة برمّتها تعاملت مع هذه الظاهرة، وخبرتها أكثر من غيرها…، على الأقل خلال القرن الماضي وحتى الآن، وفي هذا المجال يؤكد عدد من أهم محللي الخطاب الإسلاميّ المعاصر أمثال: محمد عابد الجابري، وحسن حمدان (مهدي عامل)، بأن دراسة الأصولية والإرهاب، وإن كانت أسبق بعض الشيء من الغرب، فإنها لم تكن تخرج عن ما وصفه الجابريّ وحمدان على التوالي الفكر المؤقت، و”الفكر اليوميّ” للحطّ من قدر الدراسات والبحث بهذا الموضوع، لذلك بقيت دراسات شكلية، همها تـنزيه الإسلام عن الإرهاب([12]).
ثم جاءت هجمات 11/أيلول/2001، لتكون أحد أهم معاول هدم المُسلَّمات بهذا الحقل، كما يلي:
أولاً: خسر الإسلام الصورة التي حافظ عليها لمئات السنين كحضارة تحمل رسالة معينة، وكان الاستشراق يدرسها بكثير من التحليل، سواء سلباً أو إيجاباً.
ثانياً: فرضت التطورات العالمية، حتى قبل 11/أيلول، تغيراً في مُسلَّمات مناهج البحث القديمة، وبخاصة التاريخية، وتحليل النصوص، وسيطرة مناهج البحث الاجتماعية، واندثر معها الاستشراق بشكله القديم الذي كان يعبر عنه (برنارد لويس، وهاملتون جيب) وظهرت بدلاً منها المناهج الانثروبولوجية لدراسة الإسلام، والأصولية، والإرهاب، والتي تعبر عنها نظريات (غالنر) المحافظة، و(غارس) الليبرالية، ومنهج النظريتين يسعى لضرب التجربة الإسلامية في الصميم من منطلق البعد عن النظرة الرومانسية للشرق، كما في كتابات المستشرقين والقدماء، والانطلاق من مسار جديد، ملخصه:”أنه إذا كان الإسلام والمسلمون إرهابيين، ومتخلفين، وضعفاء الآن، فإنهم حتماً لم يكونوا غير ذلك في الماضي”([13]).
وهذا يعني بأن المسيطر والسائد الآن في الغرب في الحقول المعرفية أو المنهجية، هو هذه النظرة السلبية المتحيزة، لذلك لا تخرج استراتيجية الرئيس (بوش الابن) في “الحرب العالمية على الإرهاب”، وحملات الحطّ من قدر الإسلام، والتشديد على المظاهر الإسلامية، وتدويل الاحتقان عبر أوروبا الغربية، وأستراليا، وأمريكا الشمالية، ومحاضرة البابا (بندكت السادس عشر) في جامعة جنسبورغ بتاريخ 12/9/2006 (التي هاجم فيها العقيدة الإسلامية مباشرةً) عن هذه النظرة السلبية.
حتى في روسيا- التي استفادت من “الحرب العالمية على الإرهاب”، لمطاردة المعارضين ومحاصرتهم، وملاحقة مقاتلي الشيشان، بحرب لا هوادة فيها، في إطار سعيها إلى استعادة النظام في منطقة شمال القوقاز المضطربة- قامت السلطات الروسية بعملية “تكييف واسعة للمشتبه بهم على مقاس مفهوم الإرهاب، فإذا كانت أمريكا تستخدم (غوانتانامو) لاعتقال المشتبه بهم، فإن روسيا حولت المرافق الإصلاحية فيها إلى معسكرات تجميع للمتهمين من الشيشان([14]).
أما إذا نظرنا إلى الجهة الأخرى من العالم فإن المتابع يرى أنه حتى في السودان البلد الذي لا يحلم على المدى المنظور بأن يدرج اسمه على قائمة الدول المعولمة، حسب المؤشرات الاقتصادية، أو السياسية والتكنولوجيا، لانعدام حظوظه من هذه المؤشرات، فإن الإرهاب كان سبباً دفع السودان إلى ساحة الأحداث العالمية، وعولمة صراعه مع المجتمع الدوليّ حول قضية دارفور، واستطاع لغاية الآن الاستفادة من” الحرب العالمية على الإرهاب”.
ويرى (جون برندر غاست) رئيس قسم أفريقيا في “جماعة الأزمة الدولية” بأن اهتمام أمريكا بما يجري في السودان تأثر بأهدافها في “الحرب العالمية على الإرهاب”، حيث قامت السودان بمساعدة الأجهزة الاستخبارية الأمريكية في اختراق عدد من الشبكات الإسلامية الجهادية العالمية في السودان، لذلك صوتت أمريكا بالامتناع عن فرض أية عقوبات ضده، وأطالت جميع الإجراءات ضده في مجلس الأمن خلال السنوات الثلاث والنصف الأخيرة([15]).
أما سوريا والمغرب فقد أدخلهما الإرهاب ساحة العولمة من خلال ترابطهما الاستخباريّ، عبر تكتيك “تقاسم المعلومات” مع المخابرات الأمريكية في مجال ما يعرف بالسجون السرية للتحقيق مع المتهمين بالإرهاب؛ ففي كانون الأول 2001، أشرفت (CIA) على نقل رجل الأعمال المقيم في ألمانيا (محمد حيدر زمار) المتهم بتجنيد خلية هامبورغ التابعة للقاعدة التي نفّذت هجمات 11/أيلول/2001، إلى سوريا ليحقق معه السوريون، وكان هذا الشخص قد اعتقل في المغرب، وحقق معه مسؤولون من (CIA) في المغرب أيضاً، ثم نقل جواً من المغرب إلى دمشق.
وفي حزيران 2002 سمح السوريون لمحققين من المخابرات الألمانية (BND)، وبالنيابة عن (CIA) بالتحقيق مع المذكور في دمشق، و في مقابل ذلك طلب مدير جهاز (BND) من النيابة العامة الألمانية إسقاط التهم عن عملاء للمخابرات السورية كانوا قد أوقفوا في ألمانيا بتهمة جمع معلومات عن معارضين سوريين، على أرضية “تبادل المعلومات“.
وإضافة إلى حالة(محمد زمار)، هناك حالة مهندس الاتصالات الكندي الجنسية من أصل سوري(ماهر عرار) الذي اعتقل في مطار (ج-ف- كندي/نيويورك)، ورحلته(CIA) إلى سوريا، وهناك آخرون نقلتهم (CIA) من الباكستان أيضاً([16]).
وهكذا نرى أن دولاً مثل المغرب وسوريا، أو دولاً فاشلة أو مفلسة (Fail State)، مثل: العراق، أو شبه فاشلة مثل: السودان([17])*، وإن لم تدخل قوائم العولمة عن طريق مؤشراتها المعولمة، لكنها دخلتها عن طريق الإرهاب الذي ساهم في عولمتها، عبر ترابطها بشبكة من العلاقات القائمة على إحد أهم إفرازات عولمة الإرهاب المتجسدة في سياسة “تقاسم المعلومات الاستخبارية” وتسطح المجتمع الاستخباري لأول مرة في التاريخ.
المصادر :
[1]. صحيفة الدستور الأردنية، “كلمة الرئيس الأمريكي بوش الإبن إلى الشعب الأمريكي عبر التلفزيون من البيت الأبيض في الذكرى السنوية الخامسة لهجمات 11/أيلول”، 13/9/2006، ص44 .
[2]. بوث، كين وديون، تيم، “عولمة متصادمة: الإرهاب ومستقبل النظام العالمي”، ترجمة صلاح عبدالحق، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2005، ص ص2-9.
[3]. المرجع نفسه.
[4]. وزارة الثقافة والاعلام السعودية،” موقف السعودية من الإرهاب”، دار القمم للإعلام، الرياض، 2004، ص ص 13-28.
[5]. صحيفة الغد الأردنية، “رسالة مفتوحة إلى البابا بندكت السادس عشر” فند فيها (38) من علماء المسلمين من (10) دول من مختلف المذاهب الإسلامية (السنة، الشيعة/، الصوفية، الزيدية، ….) ما ذهب إليه البابا في محاضرته التي القاها في جامعة “جنسبورغ/ ألمانيا في 12/9/2006، بتاريخ 15/10/2006، ص 13.
[6]. صحيفة العرب اليوم الأردنية، 2/8/2006، ص 40.
[7]. وزارة الثقافة والإعلام السعودية، مرجع سابق، ص 17.
[8]. المرجع نفسه، ص ص 22-26.
[9]. ناي. جوزيف، ” مفارقة القوة الأمريكية: لماذا لا تستطيع القوة العظمى الوحيدة في العالم أن تمضي وحدها”، تعريب محمد توفيق البجيرمي، مكتبة العبيكان، الرياض، 2003، ص 160.
[10]. Al-Khattar, Aref, “Religion And Terrorism: Anterfaith Prespective”, Praeger, Westport, Connecticut, 2003, P 17.
[11]. محطة تلفزيون الجزيرة، قطر، برنامج وثائقي باللغة الإنجليزية بعنوان:” السجن، الناس والقانون في (Gitmo)”، وهو الاسم الذي يطلقه الجنود الأمريكان على معتقل غوانتانامو، 12 مساءً، 16/10/206.
[12]. فارس، منير، “العنف الأصولي: نواب الأرض والسماء” مجموعة مؤلفين، الفصل الأول، سلسلة الكتاب الناقد، رياض الريس للكتب للنشر، لندن- بيروت، 1995، ص 156. وفيها إشارة إلى عبارة مهدي عامل في نقد الفكر اليومي (الواقع دوماً أغنى من المعرفة، والحياة دوماً أغنى من الفكر).
[13]. مقابلة مع .رضوان السيد”، الجزء الأول، برنامج مسارات الذي يقدمه مالك التريكي، محطة الجزيرة القطرية، 16/10/2006..
[14]. أوزبورون، اندرو، “الرسالة الأخيرة لمراسلة صحفية قتلت لأنها قالت الحقيقة”، عن مقالة غير مكتملة للصحفية الروسية أنا بويتكوفسكايا، صحيفة الغد الأردنية، عدد 18/10/2006.، ص 28.
[15]. مورفي، دان،” خسائر العراق البشرية”، صحيفة الرأي الأردنية، 16/10/2006، ص50.
[16]. صحيفة العرب اليوم الأردنية،” تقريرعن التعاون بين المخابرات الأمريكية (CIA)، والمخابرات السورية في إطار ما عرف بقضية السجون السرية الأمريكية”، 16/10/2006، ص14.
[17]. جاكسون، روبرت،” ميثاق العولمة: سلوك الإنسان في عالم عامر بالدول”، تعريب فاضل جتكر، العبيكان للنشر، الرياض، 2003، ص ص 535-537.
* ويقصد جاكسون بالدول المفلسة أو المشلولة دول لا تستطيع أو لا تريد حماية حدود دنيا من الظروف المتحضرة لمصلحة سكانها، مثل توفير السلم الداخلي، والإدارة الجيدة والرشيدة والقانون والنظام.