الرواسب المعرفية للتطرف الديني في الاسلام
الـروح الخائفـــــــــــة
تسيطر الروح الخائفة على المنظومة المعرفية لدى جميع المسلمين (والعرب بشكل خاص) باكثر تجلياتها في الحقبة المعاصرة من العولمة في القرن الحادي والعشرين .
وأقصد بالروح الخائفة الرواسب والمعيقات والحدود والمحرمات التي تمنع المسلمين بشكل عام من النقد واعادة دراسة المنظومة المعرفية الاسلامية دراسة تحليلية معاصرة . مع التشديد على أن هذا الكتاب ليس بحثا في تفكيك أو دراسة الاسلام ولا النصوص ولا الموروث الاسلامي.
و تتجلى الروح الخائفة حسب اعتقادي فيما يلي :
- حالة الإنكار الذاتي : لكن هناك أشكالية كبيرة عميقة وواسعة جدا في الاسلام بشكل عام تتمثل بعدم الإعتراف بوجود مشكلة داخل المقاربات الدينية والتدين الاسلامي . وكل محاولة لمقاربة مختلفة اتهم صاحبها بالكفر . واذا كان هذا صحيح فان ما يريد العالم تحطيمة فهو هذا المسخ المتمثل بعدم التسامح ، بالكراهية ، بالتطرف والارهاب، الحرق وقطع الرؤس وتفجير بيوت العبادة المساجد والكنائس وتدمير الممتلكات والإتجار بالبشر والاثار وسبي النساء . وأذا وجد مثل هذا الاعتراف فأنه يقتصر على أصوات شجاعة لكنها قليلة مثل الملك عبدالله الثاني بن الحسين ملك الاردن ومنظرين في العلاقات الدولية والاعلام مثل الامريكي من اصل هندي فريد رفيق زكريا صاحب برنامج (جي بي اس) على محطة (CNN) . وجادل زكريا بقوة حول نفس المسالة واصفا التطرف والارهاب الاسلامي خاصة بعد ظهور تنظيم الدولة الاسلامية داعش بالسرطان .
- لقد ركز الملك عبدالله وبشكل حثيث ومركز وفي أكثر من مناسبة ومنذ ان تسلم سلطاته الدستورية على مسألة ضرورة مراجعة الاسلام وان هناك مشكلة داخل الاسلام ومعالجتها تخص المسلمين أنفسهم في ظل توسع ظاهرة التطرف والارهاب في المنطقة .
- وهو للمفارقة ما يدعي الكثير من المسلمين بان الاسلام براء منه وعلية فان ما يريد العالم تحطيمة هو هذا المسخ لا غير ولايستهدف الاسلام .
- لا أحد يريد أن يعترف أن هناك مشكلة ،مقابل قناعة تصل حد المسلمات بالشعور بلإستهداف وبان، الاسلام مستهدف والكل يريد تحطيمة ؟!
- من المهم التأكيد أني لا أقول على الاطلاق بأن الاسلام دين ارهابي ؛ وروح الاسلام والقرآن كرسالة منتهى وقمة الانسانية .
ولعل اسخف مقاربة ؛ واكثرها انكارا للذات وسطحية هي تلك التي تعود بالتطرف الاسلامي الى مايطلق علية الاسلام الصحراوي او البدوي في فترة الاولى من الاسلام حتى القرن السابع الميلادي وكان الاسلام السياسي او حتى الاسلام كان منتج صحراوي ولم يكن دين مدينة وحاضرة ؟!
والدين والتدين والإيديولوجيا بشكل عام مرتبط بالتحضر والاستقرار ولم يكن هناك وليس هناك عبر سيرورة التاريخ البشري دين صحراوي مترحل ولم يذكر التاريخ نبيا او رسول من البدو . ثم ان الإسلام السياسي او الايديولوجيا الاسلاموية هي بالنهاية ثمرة الإسلام وليس منتج الكنفوشية أو البوذية ؟! ولا يغير من الامر شيئا القول بأن الاسلام السياسي لا يمثل جموع المسلمين اليوم وعلية اذا كان المولود وحشا مسخا (فرانكشتاين ) فأنه لا يغير من الامر شيئ انه والدتة كانت جميلة رقيقة .
- التحايل أو التنافر المعرفي لكن لا احد يريد الاعتراف بذلك ومواجهة الأمر . ثم تجري عمليات كبيرة وممنهجة بوعي وبدون وعي من التحايل المعرفي لعمليات القتل والارهاب وتفجير المساجد وقتل المصلين في شهر رمضان الكريم ، وعمليات الاقصاء سواء بشكل عامودي بين : السنة والشيعة أو أفقيا بين: جماعات السنة الكثيرة والمنقسمة نفسهم والشيعة نفسهم .
- وبدلامن ذلك ؛ يجري التحايل على حالة التوتر النفسي الناتج عن التعرض بين السلوكيات الدينية الاسلامية والوقائع المعرفية من خلال تعظيم الحديث عن : التسامح الاسلامي ووصف من يقومون بهذه الأعمال بأنهم لا يمثلون الاسلام الصحيح وأنهم خوارج او أنهم روافض .
- هناك اشكالية كبيرة داخل الاسلام الآن ، من حيث السلوك : المعتقدات والقيم والافكار والمقاربات المختلفة للدين واشكال التدين . وهذه الاشكالية في تنافر وتوتر شديد مع الواقع المعرفي والوقائع على الأرض الآن يؤكد أن كل هذا القتل والتدمير والتطرف والعنف والارهاب يرتكب باسم الاسلام وبذريعة تطبيق شريعة الله وسنة رسولة الكريم .
ويؤكد مركز دراسات (ستريتفور 14-5-2015 ) الاستخباري ان النزاع الطائفي في الشرق الاوسط يقسم الى قسمين واضحين : الشيعة والسنّة .
وفي الوقت الذي يشكل فية الشيعة اقلية فأن وحدة العالم السني عبارة عن خرافة لان دول العالم السني منقسمة الى اجزاء كثيرة نظرا لاختلاف وجهات النظر والمشاكل التي تواجه هذه الدول .
ثم ؛انظر لحجم الحقد وتجييش المشاعر على اسس دينية طائفية في خطابات البكاء والنحيب والنواح واللطم التي يمارسها القادة في ايران مثل خطابات القائد العسكري الجنرال سليماني امام الشباب يحظهم على القتال ويذكر بقتلى الحرب العراقية الايرانية انه شي مرعب ومقزز … يقابله خطاب مماثل من الطرف السني .
وبظل تطور التكنواوجيا الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي اصبحت المعركة مسخرة وسخرية كل طرف من الاخر عبر سيل كبير من التسجيلات والصور والفيديوهات التي يتم تبادلها على فضاء وسائل التواصل الاجتماعي الواتس اب والفيسبوك وتويتر .
وبهذا المجال أرى أن داعش أو الدولة الاسلامية ضرورة تاريخية على الأقل في سيرورة التاريخ الاسلامي للخروج من المازق الذي يعيشة الاسلام والمسلمين والمتمثل بهذا الفهم المتخلف للاسلام وبما قد يذكر بالمازق الذي خرجت منه أوروبا في عصر الأنوار والذي كلفها الاف الأرواح والجراح التي انعكست في صميم المنظومة المعرفية للحضارة الأوروبية الآن .
خرافة الوسطية والاعتدال الديني :
هناك فرق كبير بين الاعتدال والوسطية في فهم الدين وأنواع التدين من جهة ؛ والاعتدال السياسي أو الاقتصادي والايمان بالدولة المدنية .
هذا يعني أنه من الممكن أن تكون معتدلا سياسيا وتتعامل مع مؤسسات الدولة المدنية وتعمل من خلالها بمختلف الوظائف والمناصب حتى الوزارية وبما يلبي طموحاتك ورغباتك لكنك متشدد لا بل ومتطرف في الأفكار الدينية وفي مقاربة الدين وأنواع التدين .
والإشكالية هنا ؛ أن السلطة السياسية تنخدع بذلك أو قد تستعين و تستغل ذلك لتحقيق غايات سياسية فتاتي بأشخاص من هذه الطبقة لكنها لا تكتشف خطر وخطأ هذا التصرف إلا متأخرا على الأغلب وبعد ان يكون هؤلأ قد أحدثو خطرا كبيرا في بنية وسلوك المؤسسات السياسية والمجتمع .
خرافة التسامح الديني
لم يكن هناك في يوم من الأيام تسامح ديني بل العكس ؛ الدين بشكل عام وأنواع التدين حتى الوثنية منها مسؤل عن أبشع وأكثر الأعمال وحشية في التاريخ الإنساني فمثلا ؛ يقول ثيوسيديدس الذي يعتبر في أدبيات العلاقات الدولية المنظر الأول للمدرسة الواقعية وعرف بكونه مثالا للمفكر ” الواقعي” وصاحب أقدم كتاب نظري كلاسيكي مثبت حول العلاقات الدولية وهو تاريخ حرب البيلوبونيز* أن أثينا التي كانت تعبد آلهة متعددة شنّت حملة عام 416 قبل الميلاد خلال الحرب البيلوبونيزية على جزيرة صغيرة محايدة تدعى ميلوس لضمها لجانبها بالقوة وقتلوا كل رجال ميلوس وباعوا النساء والأطفال عبيدا.
يقول باوتشر في هذا المجال ” أن الدين عند الاغريق كان هو الذي حدد هويتهم وميزهم عن غيرهم . فقد وفر الرابط المشترك من حيث كونه دينا وثنيا شاملا لكافة الاصقاع الاغريقية يتألف تقليديا من اثني عشر الها يسكنون على قمة جبل ألمبوس ، برئاسة زيوس وزوجته الملكة هيرا .
وساد الدين في جميع النشاطات وجميع مستويات المجتمع وكل نشاط اغريقي ارتبط بعبادة اله محدد معروف لدرجة تجعل من الحضارة الغربية في الحقبة الحالية من العولمة دنيوية على نحو كبير بالمقارنة مع الحضارة الاغريقية .[1])
هذا يعني انه لافرق أكانت المجتمعات تعبد اثني عشر الها أو الها واحد فكافة الديانات وأنواع التدين سواء السماوية أو الوثنية يمكنها ممارسة اعمال التوحش . ولا فرق بين ما فعله جنود أثنيا ضد مواطني جزيرة ميلوس وما يفعلة مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية داعش في العراق وسوريا وتونس وليبيا وما فعله مقاتلي بوكو حرام في نيجيريا .
تاريخ الحرب البيلوبونيزية هو اول كتاب علمي تحليلي في العلاقات الدولية كتبه ثيوسيديدس ويسرد فيه لمجريات الحرب بين اسبارطة وحلفائها من جهة وأثينا وحلفائها من جهة أخرى بين عامي 431و404ق.م*
1) باوتشر،دايفد ،2013، النظريات السياسية في العلاقات الدولية : من ثيوسيديدس حتى الوقت الحاضر ، ترجمة رائد القاقون ،مراجعة هيثم الناهي ، المنظمة العربية للترجمة ، توزيع مركز دراسات الوحدة العربية ، الطبعة الأولى،بيروت، ص 134 و 120 و113 .
_ أنا مدين لمفهوم الروح الخائفة لصديقي الباحث الاردني في الاسلام السياسي ابراهيم غرايبة