بعد استعراض مؤشرات ظاهرة الإرهاب واتجاهاته المعاصرة والمستقبلية تبين أن هناك مؤسسة واحدة فقط هي ” مركز أبحاث الاسواق العالمية “المعروفة اختصارا (WMRC) لديها مؤشرات محددة منذ عام 2003 لقياس مخاطر الارهاب وبشكل سنوي في 186 دولة من ضمن رصد عالمي للمؤشرات المختلفة المعروفة عالميا والتي تتناول مختلف القضايا والتي بلغ عددها 135 مؤشرا ضمن “برنامج الامم المتحدة للتنمية” (UNDP) عام /2005 .
لكن هناك عددا واسع من المنهجيات لرصد الظاهرة ، ولقد وجدت عددا من السلبيات والنواقص في تلك المنهجيات، فهي تعتمد على المصادر المفتوحة، أي التي تعتمد على وسائل الإعلام المختلفة، ولذلك فإن قواعد البيانات المستمدة منها ستكون متحيزة، ويؤدي ذلك بطبيعة الحال إلى خلل في مصداقية المؤشرات المتعلقة بالظاهرة.
وتحوي تلك المنهجيات على قواعد بيانات للظاهرة، تتضمن معلومات كافية عن خصائص الحوادث الإرهابية بعد وقوعها، ويبقى هناك نقص كبير في المعلومات عن الجماعات الإرهابية، لأنها جماعات سرية، وتفتقر تلك المؤشرات إلى المعرفة حول الخصائص السيكولوجية للإرهابيين، ولماذا يرتكبون العمليات الإرهابية، وما هي دوافعهم ؟ والتجنيد ووسائل التجنيد، والبيئات المشجعة على ذلك، وهذا يصيب الدراسات المستقبلّية حول الظاهرة بعجز كبير.
وتفتقر تلك المؤشرات أيضا إلى المعرفة بالجهود والحملات الحكومية التي لا تطرح في وسائل الإعلام، كما أنها مؤشرات تعتمد على المعلومات المتعلقة بالاطراف الفاعلة من غير الدول – بالجماعات والشبكات الإرهابية – أكثر من محاولتها دراسة الإرهاب الذي تمارسه الدول.
وركزت الدراسات على المؤشرات الجغرافية والزمانية للعمليات الإرهابية، ولكن المؤلف يشير هنا إلى ظاهرة الأطراف الفاعلة من غير الدول وعلاقة الظواهر ببعضها البعض، والنظر إلى الإرهاب باعتباره عملية متصلة بالعولمة، وملاحظة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي ترتبط باتجاهات الظاهرة في الحاضر والمستقبل.
وهناك تباين في منهجيات مؤشرات الإرهاب واختلافات هيكلية، وبالطبع فإن ذلك يعود إلى تعريف الإرهاب ومدى الموضوعية والانحياز في دراسة الظاهرة وتحليلها، وهناك بعض المتغيرات في قواعد البيانات لا يمكن الحصول عليها بسهولة.
هناك تحيز كبير لدى جميع المؤسسات الأمريكية والغربية التي شغلت بدراسة الإرهاب لصالح الولايات المتحدة الأمريكية وخدمة مصالحها في الهيمنة السياسية والاقتصادية، ولم تخف بعض الدراسات والمؤسسات الهدف من مشروعها وهو تحليل المخاطر التي تواجه المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية، بحيث أن أي شخص يريد الاستثمار في اي بلد في العالم يستطيع الرجوع إلى قواعد البيانات المعدة ومؤشراتها ليعرف هل هو بلد آمن من الإرهاب أم لا، وبناء على ذلك يتخذ قراراته الاستثمارية، وهذا يربط المؤشر الفرعي للعولمة الاقتصادية “الاستثمار المباشر الخارجي بالعولمة”
وقد بقيت قواعد البيانات تتحدث عن الإرهاب الدولي أو المتخطي للحدود الوطنية خلال الفترة 1968 – 1997، ثم بدأت بعد ذلك تدرج قضايا الإرهاب الداخلي دون تفريق بينها من حيث المفهوم، علما بأن دراسات عدة قدرت حجم الإرهاب الدولي إلى المجموع الكلي للأعمال الإرهابية بنسبة تتراوح بين 5 – 10 في المئة فقط.
هذا الفصل التاريخي بين الإرهاب الداخلي والخارجي يحوي مغالطة منهجية وينسف البحث الذي أقمت عماده على آليات نظرية العولمة و يحول دون الإجابة على كثير من الأسئلة التي تطرحها اتجاهات الظاهرة، وتؤدي إلى إرباك الباحثين، وقد تحول دون الفهم الصحيح للظاهرة، ودراسة وإدارة الاتجاهات المستقبلية المتعلقة بها، وبخاصة في عمليات التعاون المشترك بين الدول لمكافحة الإرهاب، ثم اهتزاز مفاهيم أمنية كانت سائدة قبل العولمة، مثل الأمن الوطني، ويبرز الآن الحديث عن الأمن العالمي، لأن الحركات الإرهابية أصبحت متجولة أو رحالة.
وحللت المؤسسات الغربية الإرهاب واتجاهاته وكأنه من أفعال الحرب، وتجاهلت الإشارة إلى المتغيرات التي تتحدث عن الخوف، ونشر الخوف وردود الفعل التي تحدثها الحالة الدائمة من الخوف والرعب من المجهول ونشر حالة “الارتياب الدائم “،والتي أعتقد بأنها أكثر مؤشرات الارهاب الحديث قسوة وتأثيرا على المدى الطويل حيث يتجسد في الغرباء و”الأخرين” الارهاب أو ارهابي محتمل على أقل تقدير وخطورة ذلك ان ظاهرة الارتباب كمؤشر على الارهاب اصبحت تنتشر بتسارع كبير في معظم الساحات ذات العولمة المرتفعة في اوروبا الغربية والشمالية والولايات المتحدة الامريكية، وعملية أوسلو / النرويج الارهابية تموز /2011 التي نفذها متطرف يميني نرويجي ضد مواطنين نرويجين مؤشر بسيط على ذلك . أو الحديث عن المؤشرات التي ترصد حالات تغيير سلوك الدول أو بنيتها، وبخاصة على المستويين الاجتماعي أو الثقافي.
ولاستيعاب هذه الملاحظات فقد اقترحت مؤشرات بديلة للإرهاب؛ أشرت إليها بالحرف( S ) معتمدا على النتيجة التي توصلت إليها، ومفادها أن قواعد بيانات الإرهاب لا تتحدث عن أسس قياس لمؤشرات الإرهاب، وأن جميع الدراسات التي تناولت قواعد البيانات لم تشر أو تذكر المفهوم صراحة، فقد وجدت أنه من المهم وجود مؤشرات كمية للإرهاب في ظل الميل المتزايد لمعظم الباحثين والدارسين لعولمة الإرهاب أن هذه الظاهرة يمكن أن تكون الخطر طويل المدى للأمن العالمي في القرن الحادي والعشرين.
والمقصود بمؤشرات الإرهاب (البديلة S) تلك المؤشرات الكمية الإحصائية التي تدل على الظاهرة مباشرة، وغير مباشرة واتجاهاتها الحالية والمستقبلية، والمقصود باتجاهات الظاهرة تللك التغييرات التي تطال متغيرات “الأنواع، الأعداد، عنف الهجمات الإرهابية، مواقف الجماعات الإرهابية، وغيرها من المتغيرات عبر المكان و الزمن” وتفيد عملية تعريف هذه الاتجاهات والنظر إليها على أنها مؤشرات للنشاطات الإرهابية في تزويد صنّاع القرار بالمعلومات والخطط والإستراتيجيات ومساعدتهم في الكثير من المجالات، ومن أهمها: ترشيد مصادر مكافحة الإرهاب، والقيام بعمليات وقائية ضد الإرهابيين، والحيلولة دون تنفيذ عمليات إرهابية، وإلقاء الضوء على أماكن نجاح عمليات مكافحة الإرهاب أو إخفاقها.
وأضفت 9 مؤشرات جديدة رأيتها ملائمة لدراسة الإرهاب –وأنا أعمل الان على مشروع لزيادة عدد هذه المؤشرات لإعطاء الدراسة والتحليل الكمي المزيد من العمق و الدقة مثل : التنصت ورصد المكالمات الهاتفية ، ومراقبة الانترنت ، وإحتجاز وتوقيف المشتبه بهم ، وتعدد نظم المراقبة، وتعدد وحدات مكافحة الارهاب ووجود محاكم مختصة بالارهاب و وجود قوانين لمكافحة الارهاب – وبخاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول والتحولات الكبيرة في مجال تسارع تأثيرات وسائل الاعلام الحديثة خاصة التطور الهائل في وسائل التواصل الاجتماعي وعولمة الإرهاب، مثل التعاون الثنائي والمتعدد في مجال مكافحة الإرهاب، وتقاسم المعلومات الأمنية، وتوقيع سلسلة طويلة من الاتفاقات الدولية التي تتناول مكافحة الإرهاب، وضبط الحدود، وتتبع العمليات المالية والتمويل للشبكات الإرهابية عبر دول العالم، بحيث أصبح من الصعب الفصل بين الظاهرتين.
وتسلط المؤشرات البديلة S) ) الضوء على معاني مفهوم العنف السياسي ومحتواه الذي يعدّ الإرهاب جزءا منه، أي أن الإرهاب يتضمن التأثير على الطرف الآخر المستهدف بفعل الإرهاب من جانبين مهمين، هما: بنية النظام السياسي من خلال ظهور مؤسسات ومنظمات جديدة، وظواهر أجهزة جديدة مثل وكالة الأمن الوطني الأمريكية، وسلوك النظام السياسي المستهدف من خلال سن تشريعات وقوانين وأنظمة، مثل قوانين مكافحة الإرهاب، وتمويل الإرهاب، والهجرة والسفر، والتعليم، وتعيينات جديدة وإحالات على التقاعد، وتخفيض الأعداد والأموال، وزيادة موازنة الدفاع والأجهزة الأمنية والوزارات المعنية الأخرى، وإقامة علاقات جديدة مع دول ومنظمات، وتوقيع اتفاقيات ثنائية ومتعددة، وإعطاء أدوار للقطاعات الخاصة مثل الشركات الأمنية، وخصخصة جهود مكافحة الإرهاب.