ندوة : السيناريوهات المستقبلية لمرحلة ما بعد داعش : مقاربات استشرافية
السبت 4-3-2017م عمان ،الأردن ، بالتعاون بين مركز شُرُفات ومؤسسة مؤمنون بلا حدود
تقديم مدير مركز شُرُفات لدراسات العولمة والارهاب
الدكتور سعود الشَرَفات
تطرح ندوة اليوم جملة من الأسئلة أكثر مما تبسترُ من الإجابات ، خاصة وأن تسارع الأحداث في المنطقة والعالم أصبح بفعل العولمة أكبر من قدرتنا كأفراد وجماعات ومتابعين على دراستها وتحليلها .
و ثمة جملة من الأسئلة المُلحّة تُطرح آناً فيما يتعلّق بمستقبل المنطقة العربية –دينياً وسياسياً- والعالم الإسلامي ، والعالم بشكل ٍ عام في مرحلة ما بعد داعش(منذ إعلان الخلافة في حزيران 2014)، إنْ صحّت هذه التسمية على المستويين النظري والتطبيقي، لا سيما مع تصاعد العمليات العسكرية ضدّه في الآونة الأخيرة واحتمالات دحره وتفكيكه ، خاصة بعد خطاب زعيم التنظيم 28شباط 2017م عن الاعتراف بهزيمة التنظيم وفرار العديد من قياداته . (كشف مصدر محلي نقلا عن ياسين بوتيتي،
السومرية نيوز العراقية في محافظة نينوى العراقية، ونشرته محطة (أر. تي الروسية ) الثلاثاء 28 فبراير/شباط، أن زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي وجه خطابا لأنصاره دعا فيه عناصر التنظيم إلى “التخفي والفرار” إلى المناطق الجبلية.
وقال المصدر إن البغدادي وجه خطابا سماه “خطبة الوداع” إلى المقربين منه ووزعها على الخطباء لشرح ما يمر به التنظيم، مضيفا أن الخطباء بدأوا بالتحدث عن الهزائم التي يمنى بها التنظيم في نينوى وباقي المناطق.
وأشار المصدر إلى أن الخطبة تضمنت أيضا تعليمات لعناصر التنظيم بأن يفجروا أنفسهم عند محاصرتهم من قبل القوات العراقية.
وتابع المصدر قائلا إن قادة ما يسمى “مجلس شورى المجاهدين” هربوا جميعهم من نينوى وتلعفر باتجاه الأراضي السورية، مبينا أن القادة البارزين المقربين من البغدادي يتحركون على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا.
إلى ذلك، أفاد مصدر محلي بمحافظة نينوى، الاثنين، بأن زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي أمر بإغلاق ما يعرف بـ”ديوان الجند والمهاجرين”، وخير مسلحي التنظيم القادمين من خارج العراق بين العودة إلى بلدانهم أو تفجير أنفسهم والحصول على “72 حورية”.
وصرح مصدر آخر، الأحد، أن زعيم التنظيم أصدر أمرا بسحب لقب “الأمير” من قيادات التنظيم في الساحل الأيسر من الموصل، وذلك بعد انهيار التنظيم أمام تقدم القوات الأمنية العراقية.) .
وهناك جملة من الأعمدة التاطيرية لمبتغى وغايات هذه الندوة ؛ نحب أن نلفت النظر ونركز عليها وهي :
أولاً: التطرف ؛ والتطرف الديني المفضي إلى الإرهاب ظاهرة محايثة للبشر والمقدس في التاريخ الإنساني ، وهي ليست حكرا ً على دين أو ثقافة أو مجتمع أو جنس بشري بعينه . ونركز أن هناك تطرفا دينيا وإرهابا في معظم الأديان تقريبا ً؛ لكن أوزانه النسبية تتفاوت من دين إلى أخر.
ونحن نتحدث عن إرهاب داعش تحديدا ً لأنه يهمنا كعرب ومسلمين قبل غيرنا. أنه مشكلتنا وجرحنا النازف، أنه وحشّنا ؛ فرانكشتاين الخاص بنا ونحن أولى وأحق وأجدر من غيرنا بلجم وحشنا هذا وبمعالجة أمراضنا وجراحنا ومشاكلنا . لماذا نركز على ذلك ؟
حتى لا يأخذ البعض الحماس أو يلتبس عليه أننا نقصد الدين الإسلامي أو غيره من الأديان بالتطرف والارهاب .
ثانيا ً: الإرهاب الذي نتحدث عنه في هذه الندوة تحديدا ً هو إرهاب “الأطراف الفاعلة من غير الدول” ( الجماعات والمنظمات، والفردي: الذئاب المنفردة ) وليس “إرهاب الدولة”.(أمريكا، إسرائيل، روسيا، سوريا، العراق…) على أهميته لكن هذا ليس موضوعه الآن .
ثالثاً: نحن نتحدث عن الظاهرة من منظور كلانّي (Holistic Approach ) بمعنى: أن المجموع أكبر من مجموع الأجزاء. ولا نستثني أي مقاربة مهما كان مصدرها لتحليل وفهم الظاهرة.
رابعاً: هناك الكثير من المقاربات والنظريات السياسية والاجتماعية لتحليل ودراسة الإرهاب لكن أهمها وأكثرها سيطرة هي النظرية الواقعية (الدولة كطرف فاعل رئيس، القوة، الفوضى، الأنانية أو المصحة الذاتية…) و التي يقوم حجاجها على مقولة مركزية: أن الإرهاب لم يغير في بنية أو سلوك الدول كطرف فاعل ورئيس في السياسية الدولية.
لماذا نتحدث عن الإرهاب ولماذا نتحدث عن داعش ؟
– سجل العام 2014 م الاتجاه الأسوأ في تاريخ مؤشرات الإرهاب حيث تعرضت (93) دولة في العالم( أي ما نسبته (57%) من دول العالم ) للإرهاب.
و يعتبر هذا أعلى معدل للعمليات الإرهابية خلال الـ(16) عاما الماضية و راح ضحيتها ما مجموعة (32765) شخصاً.
وهذا يعني أن أكثر من نصف دول العالم تعرض للإرهاب ، ويعني كذلك المدى والنطاق الذي وصل اليه الإرهاب كظاهرة عولمية متخطية للحدود الوطنية .
– بلغ العدد الإجمالي لقتلى العمليات الإرهابية عام 2015 م ما مجموعة (29376) شخصاً ومع ذلك فهو يشكل انخفاضا بنسبة 10% عن 2014م وهو أول انخفاض منذ 2010م,وكان سبب الانخفاض نتيجة عمليات مكافحة الإرهاب ضد داعش في العراق ، وبوكوحرام في نيجيريا . لكن هذا لم يمنع – للأسف الشديد – من انتشار خطرهما في العالم ذلك أن إرهاب بكوحرام توسع وتعولم نطاقه وانتقل إلى دول أخرى مثل : الكاميرون ، والنيجر ، وتشاد ورفع نسبة قتلى الإرهاب في تلك الدول بشكل صارخ إلى 157%.
– يعتبر تنظيم داعش في حقبة العولمة المعاصرة التنظيم الأكثر إرهاباً وتوحشاً في العالم حيث تجاوز إرهاب بكوحرام عام 2015 حيث نفذ عمليات إرهابية في (252) مدينة في العالم وكان مسؤولا ً عن مقتل ما مجموعة (6141) شخص خلال عام 2015م. ويلاحظ أن نصف العمليات التي تنسب إلى (أو لها علاقة ) تنظيم داعش نفذت عن طريق أشخاص لم يكن لهم علاقة مباشرة بالتنظيم .
– توسع نطاق إرهاب داعش العالمي وانتشر لينشط في( 28) دولة في العالم عام 2015م بعد أن كان ينشط في (13) دولة فقط في العالم عام 2014م . وهو ما يعني مدى تعولم إرهاب تنظيم داعش.
– ارتفع عدد الدول التي شهدت اكبر عدد من قتلى الإرهاب ارتفاعا من (17) دولة فقط عام 2014م إلى (23) دولة عام 2015م. كما ارتفعت نسبة قتلى الإرهاب في دول “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” عام 2015م (التي تتكون من (34) في العالم بين الغنية والفقيرة) إلى نسبة صاعقة حيث بلغت (577) قتيل معظمها في فرنسا وتركيا، فيما كانت تبلغ (77) قتيل عام 2014. ولقد شهدت (21) دولة من المنظمة عملية إرهابية واحدة على الأقل .
والخطير في الأمر أن نصف عدد قتلى الإرهاب في دول “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” عام 2015م والبالغ عددها (577) قتيلاً كان تنظيم داعش مسؤولاً عنها .
– من الاتجاهات المهمة أن “المقاتلين الأجانب” الذين يلتحقون بداعش في سوريا على درجة عالية من التعليم ، لكن الأقل دخلا ً ، ويلتحقون بها جزئيا بسبب شعورهم بالتهميش وعدم الاندماج في بلدانهم الأصلية .
– تجذر ظاهرة إرهاب الذئاب المنفردة بعد أن كانت قبل عقد من الزمان فقط مجرد ” اتجاه فرعي ” في ظاهرة الإرهاب العالمي بشكل عام ، ومن الأدلة على ذلك أنه منذ عام 2006م وحتى 2016م (%98) من قتلى العمليات الإرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية نتجت عن عمليات نفذها الذئاب المنفردة (أو طرف فاعل منفرد) وأدت إلى مقتل (156) شخصا ً.
المحور الأول : المتحدث / حسن أبو هنية/من الأردن
أثر التنظيم في بنية وسلوك الدول والمجتمعات التي تعرضت للإرهاب؟
ويتضمن هذا المحور محاولة الإجابة على الأسئلة التالية :
1- إلى أي مدى أثر إرهاب داعش على بنية وسلوك الدول والمجتمعات ، خاصة تلك التي تعرضت لإرهاب داعش . وفي هذا المجال إلى أي مدى أثر إرهاب داعش في بنية وسلوك الدولة والمؤسسات الأردنية؟
2- مدى نجاح “المجتمع الدولي”- هذا اذا سلمنا بوجود هذا المجتمع- في مجال مكافحة إرهاب داعش ؟
3- ثم ؛ ما مستقبل المقاتلين العرب والأجانب في داعش.
المحور الثاني : المتحدث الدكتور موسى برهومه
– هل يمكن القول أن داعش حركة احتجاج عامة على حالة ما يسمى “الأمة الإسلامية “؟
وهل يمكننا الافتراض أنها ضرورة تاريخية ؟ أم هي نمط كاسح، أو “اتجاه جديد” ضمن منظومة التطرف الديني تاريخيا ً؟
– ماهي حدودنا كمتابعين عاديين ؛وحدود الباحثين في الظاهرة لتحليل وتفكيك ونقد الأصول التأسيسية للنصوص الدينية المرجعية لمقاربات داعش.
– نظرا ًلأن سيرورة العولمة ، تتجلى في تحول عالمنا المعاش إلى رقعة أصغر بفعل ضغطه زمانياً ومكانياً ، الأمر الذي أدى إلى تحفيز درجة الوعي بالخلافات والتهديدات السياسية والاجتماعية و الثقافية بشكلٍ أوسع وأعمق وأكثر خطورة وتوحشاً و زاد مستوى التوترات واحتمالات الصدام الثقافي والحضاري ؛فهل فاقمت سيرورة العولمة من مأزقنا عند حدود داعش ؟
– هناك تطور كبير وانتشار للإرهاب العالمي وتعقيد في اتجاهاته و أساليبه وديناميكياته و يشهد اتجاها ً تصاعديا في الخسائر والممتلكات والأثار النفسية والفسيولوجية متخذا ًمنذ بداية القرن العشرين صبغة اسلاموية بحته .
– تؤكد وتلح ؛ مؤسسات بحثية غربية أن هناك علاقة و ارتباط قوي بين وجود الإرهاب في دولة ما و مستويات الصراعات والعنف السياسي ، والشعور بالظلم في تلك الدولة ،وأن ما نسبته 90% من العمليات الإرهابية في العالم تقع ضمن نطاق الدول التي تعاني من تلك المشاكل . وأن هناك علاقة وارتباط قوي في الدول النامية بين : وجود الإرهاب ، ومستويات الفساد ، والصراعات السياسية ، مستويات قبول الآخر ، وعدم المساوة بين مكونات المجتمع والجماعات المكونة له.
لكن السؤال يبقى هل يمكن أن يكون ذلك مقاربة كافية لفهم إرهاب داعش ؟!
المحور الثالث: المتحدث علي طارق الرجّال / مصر
بنية وسلوك التنظيم المستقبلية على المديين المتوسط والطويل
– نلاحظ أن هناك جهداً كبيراً تبذله مراكز الدراسات والأبحاث ،والحكومات الغربية والعربية والإسلامية للتخفيف من خطر داعش على الدول والتأكيد على أن التنظيم أخذ يعاني من شح الموارد المالية ويفقد المزيد من الأراضي ؛ لا بل بدا مسيرة التحول من شعار : باقية وتتمدد إلى محاولة البقاء فقط خاصة اذا ربطنا ذلك بما سرب من خطاب زعيم التنظيم في 28 شباط . والإشارة الممنهجة ( على الأقل في الغرب) إلى أن الإرهاب نوع من العنف السياسي المركز والمحصور في (5) بؤر فقط وهي بالمناسبة جميعها إسلامية (العراق ، أفغانستان ، نيجيريا ، باكستان ، وسوريا) وأن 72% من إجمالي عدد قتلى الإرهاب عام 2015م هم من هذه الدول. وأن هناك( 4) جماعات إرهابية وكلها إسلامية وهي : داعش بكوحرام ، القاعدة ، طالبان أفغانستان وباكستان مسؤولة عن ما نسبته (74%) من أجمالي عدد القتلى نتيجة الإرهاب في العالم عام 2015م.
يبقى السؤال :
1- هل حقاً نحنُ في طور الانتقال من –ليس فقط على المستوى الزمني فحسب، بل وعلى المستوى الذهني أيضاً- (مرحلة داعش) إلى مرحلة (ما بعد داعش)؟ وهل ثمة مؤشرات واقعية على تقهقر هذه الحركة، أم إن الأمر لا يتجاوز حدّ التكهنات السياسية والإعلامية؟.
2- هل سنشهد ولادة لتنظيم جهادي جديد، أم إن هذه التنظيمات استنفدت أغراضها؟
3- هل سنشهد انحساراً للأطر المرجعية التي قامت بموجبها داعش ليس بتنفيذ عملياتها القتالية فحسب، بل وبتبريرها؟
ونقول في ختام هذه الندوة :
“كلامنا هذا راي، فمن جاءنا بخير منه تركنا ما عندنا إلى ما عنده كما يقول الأمام ابوحنيفة النعمان . ونضيف ” أن أشد الناس حماقة أقواهم اعتقادا ً في فضل نفسه ، وأثبت الناس عقلاً أشدهم اتهاما لنفسه ” كما سبق أن قال الأمام أبو حامد الغزالي ذات تجل ٍ.