بشار جرار – واشنطن
خاص لمركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والارهاب عمان الأردن
عامدا متعمدا، أحجم عن نشر أرقام لا أثق بمصادرها لأمراضنا المزمنة ومنها الأمية. فالأمية في مشرقنا المكلوم وبعد عقود من الاستقلال والنهوض المزعوم باتت متعددة الأوجه: أمية تامة مطلقة لا قراءة ولا كتابة فيها، وأمية أدهى وأمرّ يتساوى فيها الغالب الأعم من الناس على اختلاف مناصبهم ومواقعهم ومستويات دخولهم وتحصيلهم العلمي وحتى المعرفي.
إن لم يكن الحال كذلك، فبماذا نفسر هذا القدر المرعب من الانحراف والانحطاط والتغول والتنمر والبلطجة والإرهاب الاجتماعي إلى حدّ التوحّش الذي تجاوز حدود الدولة “القطرية” إلى ما وراء البحار؟
أكتب هذه السطور إثر متابعتي لخبر سار لقضية محزنة استمرت اثنتي عشرة سنة كلفت ماليا وليس كموجودات بشرية ومادية ما بين مليون إلى اثني عشر مليون دولار. أخيرا، تمكّن مكتب التحقيقات الفيدرالي -إف بي آي- من إلقاء القبض على أب من المهاجرين المجنّسين قتل ابنتيه فيما يصفه البعض خطأ ب”جرائم الشرف”. وكما أنه ليس للإرهاب ملة، فإن الجريمة كذلك، وإن تم تعريف المجرم بأنه أميركي مصري “متشدد إسلاميا” وهو في نظر القانون مجرد قاتل فار من العدالة خصص لمن يدلّ عليه مكافأة قدرها مئة ألف دولار كونه على لائحة أكثر عشرة مطلوبين للعدالة خطورة.
المفارقة العجيبة أن الصحافة العالمية المهتمة بقضايا العنف ضد المرأة والطفولة والأسرة منشغلة هذه الأيام في جريمتي اغتصاب جماعي شهدهما فندقان سياحيان في مصر وإسرائيل هزتا الرأي العام. كانت الأكثر صدمة جريمة اغتصاب سبعة عشر مجرما لفتاة في ربيعها السادس عشر في إيلات المدينة الإسرائيلية السياحية المطلة على البحر الأحمر.
الأمية في “أمة إقرأ” التي أعنيها في مقالتي لا تخص المسلمين فقط وإنما كل من قرأ نصا كتابيا مقدسا من “أهل الكتاب” على وجه الخصوص. أين القائمون على التربية والتعليم ووزارات الأديان (الأوقاف) والثقافة والإعلام عن محو أمية جعلتنا لا نفقه ما نقرأ؟ جرائم القتل والعنف هذه كلها جذورها مشتركة مما يجعل كثيرا ممن يظنون أنفسهم براء شركاء بدرجات متفاوتة في الجريمة.
لا يقوم بشر لا يملك أمره وساوس شيطان أو غرائز حيوان، بممارسة فعل “الحب” وثماره الخير بالضرورة بمقتضى الحكمة الإلهية، لا يقوم بممارسة هذا الحق “التوافقي” بعنف وشر إلا جراء تراكم معرفي مشوه شرير في أصله.
المسألة تبدأ بشيطنة المرأة، بادعاء الاستعلاء مشفوعا بحق الاستقواء، ولا يخلو الأمر من الأمية في فهم المراد الرباني الحقيقي من الخلق والحياة وبالتالي من الجنس والحب والمحبة والأسرة والجار والمجتمع والبشرية لا بل والوجود نفسه من شركاء لنا من مخلوقات وطبيعة.
السلوك الشاذ المنحرف الهمجي يظهر انحرافات تبدأ بالمليمترات حتى إن سكت عنها تمادت وصارت أميالا. لهذا ضجت الصحافة وخاصة الإلكترونية منها عبر منصات التواصل الاجتماعي بصور مرعبة لتعنيف أطفال لم يسلم منهم حتى الرضّع على أيدي أحد الوالدين، وآخرين من ذوي القربى والمؤتمنين على تعليم الصغار حتى في المراكز الدينية! صور وفيديوهات مروعة تراوحت بين تعنيف وتعذيب وقتل وتحرش واغتصاب وما يسمونه “جرائم شرف”.
يتباكى البعض من “أولي الأمر” بأنهم عاجزين عن مواجهة التنظيمات العصابية الإجرامية الإرهابية كالنصرة وداعش وبوكو حرام وطالبان و”الإخوان”، لكنهم يتناسون أن كتيب “إدارة التوحش” لمنظر عصابة داعش الإرهابية أبو بكر ناجي هو الإبن الشرعي لكتاب “معالم في الطريق” لسيد قطب شيطان الإخوانج الأكبر.
آن الأوان ليتحمل القائمون على مكافحة الأمية مسؤولياتهم وكفانا الاختباء وراء تحديات مكافحة الجريمة بأنواعها والإرهاب بصنوفه. معركتنا الأولى ينبغي أن تكون الأولى (بتسكين الواو). جذر العنف هي الكراهية وأصلها هو الشر. وتلك بداية الطرد من الجنة.. قضم تلك التفاحة التي كشفت عورة الإنسان بعدما تطاولت يده إلى شجرة المعرفة، معرفة الخير والشر.. صدق من قال: إعرف عدوك..
تلك هي البداية الحقيقية لمحاربة الإرهابيين والمجرمين، فمحو الأمية الحقيقي ينزع القداسة المزيفة عن المتأولين المحرفين للكلم عن موضعه. محاربة الأمية هي “أم المعارك” الحقيقية و”الميغا ديل” أو الصفقة الكبرى الحقيقية الكفيلة في تحقيق أعلى المكتسبات بأقل الكلف البشرية والمادية.
حذار ممن يفشون ويروجون لتلك الفيديوهات الصادمة للتوحش الاجتماعي فخلفه عقارب بين ظهرانينا أو أفاعي غفلنا عنها فدخلت عقر دارنا. فليتقوا الله فيما “يشيّرون” على منصات “التناحر الاجتماعي” الذي لم تحسن جهات إنفاذ القانون حتى الآن استخدامها بكفاءة الأعداء..