مدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والارهاب -عمان الأردن
الدكتور سعود الشَرَفات
ارتبطت التحولات المعاصرة “للنسوية الجهادية” – إذا قبلنا بهذه التسمية لغايات البحث- في العمق بالتحولات الكبرى التي اعترت الظاهرة الجهادية العالمية بشكل عام ، والتي تماهت مع انطلاقة سيرورة العولمة المعاصرة ، التي يُجمع كثير من منظري العولمة أنها أقلعت مع بديات تسعينات القرن العشرين .
وأعتقد بأن هذه الانطلاقة جاءت محايثّة لخمسة من التغيرات العميقة والمتشابكة في السياسة العالمية وهي :
1- الثورة الإيرانية ووصول الخميني للسلطة وهو ما فتح شهية الاسلام السياسي(الشيعي /السني ) لتكرار التجربة ولاقتناع – حتى لو كان ذلك وهماً- بإمكانية الدين والقيم الدينية في الحكم والسلطة في مجتمع عالمي تغلب عليه قيم السياسية العلمانية.
2- هزيمة السوفيات المذلة وانسحابهم من أفغانستان(15-2 – 1989) من قبل ما يسمى “المجاهدين” الذين جاءوا من مختلف دول العالم ؛ ولأول مرة في التاريخ المعاصر جاء الكثير من هؤلاء برفقة زوجاتهم وبناتهم وشقيقاتهم ، على سبيل المثال الشيخ عبدالله عزام وزوجته سميرة العواطلة – أم محمد . الدرس المهم في حرب الاستنزاف هذه كان إمكانية “الأطراف الفاعلة من غير الدول” مثل الجماعات والمنظمات “الجهادية” من هزيمة الدول العظمى حتى لو كان الاتحاد السوفياتي .بالطبع دون أن لا ننسى أن هذه كانت نوع من الحرب الهجينة(هيبرد) ،وأقصد بذلك أن المجاهدين تلقوا دعما منقطع النظير من “اطراف فاعلة من الدول” على راسها أمريكا ، وباكستان ، والسعودية .
3- انهيار جدار برلين (9-11-1989)والإحساس الذي منحه خاصة في الغرب تجاه كسر الحواجز وتخطي الحدود القومية الأمر الذي عزز من آليات العولمة السياسية والاجتماعية ،والتكنولوجية ، لأنه كان عقبة في وجهة سيرورة العولمة ولم يكن رمز لإبقاء الناس محشورين داخل المانيا الشرقية ؛ بل كان طريقة لمنع نوع من الرؤية للمستقبل على حد وصف المنظر الاقتصادي الهندي ( أماراتيا صين)
4- تفكك الاتحاد السوفياتي (26-12-1991) الى (15) دولة وهو ما اربك المجتمع الدولي والسياسة العالمية رغم حالة النشوة التي شعر بها الغرب بانتصار قيم الرأسمالية والليبرالية على الاشتراكية .ولا شك بان الجماعات الإسلامية وعلى رأسها تنظيم القاعدة أحست بنشوة مشابهة؛ لكنها مخادعة لان الغرب وعلى راسه أمريكا تخلى عنهم بعد تحطم الاتحاد السوفياتي .
5- تسارع آليات العولمة التكنولوجية .وثورة الأنترنت ثم التكنولوجيا الرقمية ، ذلك أنه في الوقت الذي سقط فيه جدار برلين ؛ فتحت جدران أو نوافذ نظام التشغيل الكمبيوتر (ويندز1990 ) ما جعل العالم مسطحاً أكثر من أي وقت مضى حسب وصف (توماس فريدمان،2006 ). وهو ما عزز من إمكانيات الجماعات الجهادية في عمليات الدعاية والتجنيد وشن الهجمات المرعبة التي تكللت بهجمات 11ايلول 2001م .
أظن بأن هذه العوامل الخمسة – قد- تساهم بأوزان نسبية مختلفة ، في فهم “إشكالية” تحول النساء داخل دول ما يسمى الربيع العربي كتونس وسوريا إلى ما يسمى نساء جهاديات في داعش وغيرها.
خرافة النساء الجهاديات
أعتقد بأن عمليات التحول هذه لا يمكن ووصفها بأنها “ظاهرة” ؛ ربما هي “اتجاهات” جهة أن هذا التحول – إذا اتفقنا على أنه تحول –هو تحول تابع وليس منفصل عن ظاهرة “المقاتلين الإرهابين الأجانب” عند الرجال ، والنساء فيه تابع إجباري – قمعي يرتكز أصلا على مبدأ الطاعة الزوجة للزوج في الموروث الإسلامي كما يفهمه الارهابيين ضمن مصفوفة القيم الدينية وأشكال التدين التي يأولها الإرهابين اليوم .
صحيح أن نسبة النساء من العدد الكلي الإجمالي لعدد “المقاتلين الارهابيين الأجانب” في سوريا والعراق يبلغ (20-30%) من أصل (30000) مقاتل من أكثر من 100 دولة في العالم حسب “تقرير لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن –الأمم المتحدة” 2015م ، وفي دراسات أخرى 14% من أصل 41000 مقاتل وعدد كبير منهن قدمن من الدول الأوروبية سواء كن مسلمات أو تحولن الى الاسلام بحثاً عن حقيقة أو حياة أخرى أو تجربة شيئ أخر …. ،لكني لا اعتقد بأن هذه الظاهرة تعبر عن “حركة نسوية إسلامية” واعية بذاتها ومدركة وهدفها النشاط للتعبير عن طموح وآمال النساء كما هو في الحركات النسويّة في الغرب مثلاً ، على الأقل من منظور نظريات ” الحركة النسوية في العلاقات الدولية” في العالم .