خاص بمركز شُرُفات للدراسات والأبحاث عمان- الأردن
الباحث السياسي: محمد كريم جبار الخاقاني([1])
بعد أحداث حزيران عام 2014, وما تلاها من إعلان للخلافة الإسلامية في مدينة الموصل , تطورات كثيرة لابد من قراءتها وتحليلها لكي نكوًن صورة مستقبلية لمرحلة ما بعد داعش وخصوصاً في العراق, إذ تمكنت القوات العراقية وبعد معارك عنيفة مع التنظيم المتشدد من استعادة محافظة نينوى من قبضته , ايذاناً بانتهاء مرحلته السوداوية والتي حكمت سكان المناطق الواقعة تحت سيطرته بالحديد والنار , ولكن هل انتهت تلك الظاهرة بشكل نهائي ؟ أم ستعاود الظهور هذه المرة بثوب جديد , وأين اختفى رموز التنظيم الإرهابي ؟ وغيرها من الاسئلة والتي نريد أن نجد لها جواباً في تلك الورقة البحثية .
بداية يجب أن نتعرف بدموية ووحشية تنظيم داعش الإرهابي والتي فاقت سابقاتها في الإرهاب مثل تنظيم القاعدة , فهو كتنظيم مسلًح ينتمي للمدرسة السلفية الجهادية , ويسعى أفراده إلى إعادة الخلافة الإسلامية وتطبيق شريعتها, وعلى هذا الأساس سيًطر التنظيم على مساحات كبيرة من الأراضي في العراق وسوريا, مما سعدت في إعلانه الخلافة الإسلامية بعد أن تمكًن من تلك المرحلة في فرض سلطوته على تلك المناطق, أي مرحلة التمكين , ومنذ ذلك التاريخ , والتنظيم المتشدد يُعبًا أفراده للقتال ضد من يعارضه في الأفكار والتوجهات , ومن حيث التأثيرات البارزة على الدول سواء كانت إقليمية أم دولية , إذ من المعلوم إن لكل دولة حساباتها وأهدافها , وبما أن الإرهاب لا يستهدفها بل يستهدف تلك الدول والتي تعتبر أراضي خصبة للأفكار المتطرفة , لذلك يؤًسس تاريخ ما بعد 10-6-2014, لمرحلة مفصلية في تاريخ العلاقات الدولية , إذ سيطرت جماعات إرهابية متطرفة على مساحات كبيرة وتُقًدر بحجم مساحة المملكة المتحدة ولأول مرة ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية, مما يعني سيطرة فواعل من غير الدول والتي تجسدت في تنظيم داعش , ومابين الفترة المحصورة بين عامي 2014-2017, فقد ذلك التنظيم ما يقرب من 70% من سيطرته على تلك المساحات , وذلك بفعل التدخلات العسكرية المباشرة للقوات العراقية وبمساندة من قوات الحشد الشعبي والعشائري , وبمشاركة واسعة من التحالف الدولي , هذه الفرضية الجديدة على صعيد العلاقات الدولية , قد فرضت ذلك الواقع الجديد , وذلك من خلال اتساع مديات الحرب المعلنة على الإرهاب, والدعوة لتشكيل تحالفات جديدة للقضاء على تلك الظاهرة, مما أفضى إلى اتحاد العالم من خلال انضمامها بتلك التحالفات الدولية والإقليمية , مما يؤشر لمسالة مهمة وهي , الإرهاب بدا يغزو العالم , إذ لم يعد هناك مكاناً واحداً فيه , امن ولا تطاله يد الإرهاب والتنظيمات المتطرفة وخلاياه النائمة وذئابه المنفردة مما يعني ببساطة الحرب العالمية الثالثة , والتي تعد من أهم ما ورد في تنبؤات الدكتور إبراهيم الجعفري( وزير الخارجية العراقي) في عام 2004, عندما وضًح فكرة , إن العالم ستطاله التنظيمات الإرهابية إذا ما تخلت عن دعم العراق في محاربته له, كانت النتائج متطابقة للفكرة , فظهرت القاعدة بداية في العراق , وبعدها ظهرت داعش وهاهي تلفظ أنفاسها الأخيرة في العراق , بعد تحرير أراضيه الواحدة تلو الأخرى, وخصوصاً في محافظة الموصل والتي أعلن منها ذلك التنظيم خلافته المزعومة, ولكن التساؤل والذي يطرح نفسه, ماهو مستقبل داعش في العراق؟
على الرغم من خسارة التنظيم الكبيرة في العراق , فانه ونتيحة التجارب السابقة فانه قادراً على إعادة تنظيم نفسه مرة أخرى , وإنتاج قيادات إذا خسر قادته , ولذلك فان التنظيم وبعد تكبده الهزائم الكبيرة في الموصل على يد القوات العسكرية العراقية , فان اغلب عناصره , أما تعرضت للقتل أو هربت بعيداً إلى الصحراء والتي تعد مأواهم وملاذهم الأخير, إذ يؤكد تلك المقولة ما جاء على لسان احد قيادات التنظيم الإرهابي ( أبو محمد العدناني) بأنهم جاؤا من الصحراء وسيعودون إليها, مما يعزز تلك الفرضية القائلة , بان تنظيم داعش قادراً على إعادة إنتاج نفسه ولكن بصيغة أخرى وبمسمى جديد , إذ يتطلب في تلك المرحلة تعزيز الجانب والجهد الاستخباري لتعقًب عناصر التنظيم , إذ من الممكن أن ينخرط أفراده بشكل نازحين بين المواطنين وبذلك يسهل عليهم التنقًل لوجهتهم المقبلة وهي الصحراء , ومن هناك يكون هناك إعادة تموضع جديد لهم , وعليه لابد من عدم إفلات أي عنصر منهم للخطورة المستقبلية والتي يشكلونها على امن الدولة .
ومن هنا ولأجل تكوين تصورات مستقبلية لمرحلة داعش في العراق, وخصوصاً بعد طردهم من الموصل والنصر عليهم عسكرياً , لا بد لنا من القول , بان عناصر التنظيم وان تم خسارتها للكثير من السيطرة على مناطق قد احتلتها في عام 2014, والتأكيد على إن خسارتها لا تعني شيئاً لها في الحسابات المستقبلية , إذ من الممكن أن يتم اختيار مدينة غير الموصل لتكون عاصمة لخلافتهم ,وكذا الحال بالنسبة لقائدهم أبو بكر البغدادي , حيث إن إعلان مقتله أو أسره , وان كان يحمل رمزية معينة لإتباعه , لكن من الممكن اختيار بديلاً عنه , إن لم يكن قد تم اختيار احدهم , وعليه يمكن القول بأن هزيمة التنظيم عسكرياً لايعني القضاء على أفكاره المتطرفة أي لاتزال أفكاره الإيديولوجية والتي يؤمن بها أتباعه , مصدراً لقيامه من جديد وان كان بتسمية أخرى, ومن هنا نرى بان التنظيم وكما بيناه سوف يتبنى فكرة اللجوء إلى المناطق الصحراوية والتي هي بعيدة عن أعين ونشاط الدولة , وبالتالي يمكن أن تكون هناك انطلاقتهم نحو مزيداً من العمليات الانتحارية والأحزمة الناسفة والتي يجيدها ويتقنها وذلك من خلال تجنيده للعديد ممن يؤمن بفكره وعقيدته , ولذلك لابد من النظر إلى تلك الناحية, وتكثيف الجهود الاستخبارية والتي يجب أن تكون يقظة للقضاء على الخلايا النائمة والساندة لفكر التنظيم والتي انخرطت في صفوف المدنيين بعد خروجهم من مناطق القتال.
[1] باحث سياسي من العراق . متخصص في العلاقات الدولية والشؤون العراقية .