د. سعود الشرفات*
العولمة؛ باختصار واقتصاد وتكثيف شديد، تعني دمجا وترابطا وتشبيكا شديدا على المستوى الاقتصادي، في مقابل تفتيت وتشظ على مستوى البنى الثقافية والسياسية والاجتماعية والتكنولوجية.
وأزعم أن سيرورة العولمة في حقبتها الحالية، ورغم الكثير من ثمارها الزكية الغضة الطرية، أثمرت أيضا بعضا من الثمار العفنة، أهمها: الإرهاب العالمي، والتطرف الديني، كما الهجرة المحلية والدولية، واللجوء القسري والطوعي.
وقد سبق للمنظر السياسي الأميركي بنجامين باربر أن وصف الإرهاب بأنه الثمرة العفنة لسيرورة العولمة، إثر موجة الرعب والهلع التي خلفتها هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 ضد الولايات المتحدة، والتي صادفت ذكراها قبل أسابيع، لكنها مرت مرور الكرام على العالم.
وبالتداعي؛ شنّت الولايات المتحدة حربا خاطفة بحلّة دينية مقدسة، تحت عنوان مبتكر هو “الحرب العالمية على الإرهاب”، تسببت بموجة هائلة من انتشار الارهاب والتطرف الديني، والهجرة واللجوء اللذين تحملت دول الجوار الأفغاني الفقيرة، وخاصة باكستان، استيعابهما وتكاليفهما ومآسيهما الإنسانية من دون ضجة إعلامية، ومن دون أن يشعر المجتمع الدولي بالحرج الشديد، أو أن تشعر دول الاتحاد الأوروبي بوخز الضمير، بحيث يتداعى قادتها إلى عقد قمة لبحث المسألة، كما نراه يفعل الآن مع موجة الهجرة واللجوء الحالية.
اليوم، وفي الحقبة الحالية من سيرورة العولمة التي تبدو راياتها ملطخة بالدم والسواد، وأرضها يباب، تنجب أو تثمر مرة أخرى، وبمواعيد ومواقيت حسب موجات أو دورات المنظر الاقتصادي الروسي نيكولاي كوندراتيف. لكن ثمرتها عفنة ومولودها مسخ عنيف (فرانكشتاين) معولم، أكثر رعبا وفتكا وإثارة للهلع من سابقيه. وذلك بسبب التطور والتسارع الهائل في آليات العولمة التكنولوجية، وخاصة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. والتي بسببها بدت موجات الإرهاب والتطرف الديني والهجرة واللجوء وكأنها حديثة أو جديدة على التاريخ الإنساني، فيما الحقيقة أنها مشهد ظل يتكرر ويعاد باستمرار طوال التاريخ البشري قبل جلجامش.
لكن ما الجديد في الظاهرة؟
الجديد أن حجم وسعة وعمق إدراكنا كبشر لوجود الظاهرة تغير، وبشكل كبير. لقد أصبح أعظم من أي وقت مضى حتى الآن، وهو يتعاظم كل لحظة بسبب سيرورة العولمة.
*مدير عام مركز شرفات للدراسات والبحوث/ العولمة والارهاب
© جميع حقوق النشر محفوظة لجريدة الغد 2015