الإستراتيجيةالوطنية لمواجهةالتطرف العنيف والارهاب في الأردن

0

ليس من السهل على الباحثين استعراض الأدبيات التي تبحث حقل التطرف العنيف  والإرهاب، لأنه حقل يتميز بتداخل كثير من حقول المعرفة معه، مثل:علم الاجتماع، الدين، علم النفس، العلوم السياسية، الاقتصاد، والتكنولوجيا، الأمر الذي عقد من دراسته، ثم زاد من هذا التعقيد قلة الدراسات المتخصصة بالظاهرة. 

ولم تحظ دراسة الإرهاب على أنه حقل مستقل للدراسة باهتمامِ كبير في العالم إلا بعد هجمات 11/أيلول/2001، التي أدت إلى ثورة في حركة البحث والكتابة والتأليف والترجمة حول ظاهرة الإرهاب، ويقدّر عدد الكتب التي صدرت عقب الهجمات بعقد من الزمان بأكثر من( 1742) كتاباً في الغرب.

عدد العمليات الإرهابية في الأردن 

بلغ عدد العمليات “العمليات “الإرهابية في الأردن خلال الفترة ما بين 1970-حتى أخر إحصاء تاريخ 31-12-2018) ما مجموعة (132) عملية إرهابية، نتج عنها ما مجموعة (156) حالة وفاة، وما مجموعة (292) جريحاً.

واحتل الأردن عام 2018م المرتبة (60) دولياً، وبنسبة (3) من عشرة ،على “مؤشر الإرهاب العالمي” الذي يصدره “معهد الاقتصاد والسلام” في سيدني الذي يقيس أثار الإرهاب في (163) دولة في العالم خلال الفترة من 2000م -2018م ، وهو ما يعطي مؤشرا على خطورة ظاهرة الإرهاب في الأردن من حيث أنه يدل على أن الأردن يحتل موقعاً متوسطاً في العدد الكلي للدول التي شملها مؤشر الإرهاب وهي 163 دولة.

وتشير إحصائيات “معهد الاقتصاد والسلام” لعام 2017 الى أن الدول التي تشهد صراعات عسكرية عنيفة تعرضت لخطر الإرهاب اكثر من غيرها ، وأن الدول العربية التي تأثرت أكثر بموجات ما يسمى بالربيع العربي 2010م  تعرضت لعمليات إرهابيه اكثر. وأن 99% من مجموع قتلى العمليات الإرهابية و96% من مجموع العمليات الإرهابية عالميا حدثت في الدول التي تعاني من صراعات عسكرية ، والدول التي تعاني من ارتفاع معدلات الإرهاب السياسي. 

بالنظر إلى التهديدات التي يشكلها الإرهاب حاليا على الأردن، سنكتشف أن العمليات الإرهابية لا تمثل أحداثا منفردة،  ووفقا لبعض الدراسات الصادرة عن دائرة الأبحاث في الكونغرس الأميركي، يقدر عدد المقاتلين الأردنيين الذين انضموا لتنظيم “داعش” في كل من سوريا، والعراق، وليبيا،  وبعض المواقع الأخرى،  منذ عام 2011 بنحو أربعة آلاف مقاتل. مع التأكيد بأن هناك اختلافات وتباينات واضحة في هذه الأرقام. حيث تؤكد الأرقام الأردنية “شبه الرسمية” أن العدد لم يتجاوز 1250 مقاتل في بداية الأزمة في سوريا ،ومن المؤكد أنه انخفض الآن بعد مقتل وعودة العديد منهم.

  ويمثل-احتمال- عودة هؤلاء أو بعضهم  مشكلة كبيرة بالنسبة للأردن، حتى أن الدولة الأردنية  تتمنى لو أنهم لن يعودوا، إذ أنهم ينقلون خبراتهم العسكرية والقتالة والتنظيمية إلى كل المتعطشين للقتال بالأردن. ولتجاوز هذه المعضلة ، تم تعديل قانون منع الإرهاب عام 2014، وتجريم الانضمام إلى جبهة النصرة وداعش والمنظمات الإرهابية والترويج لها عبر أي وسيلةٍ كانت، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي ، كما سمح القانون برفع حدة الرقابة على المساجد والخطاب الديني بصورة أكثر قوة مما سبق.

وتبع ذلك منذ عام 2014 قيام “مجلس السياسات الوطني” واللجان المتخصصة التابعة له بحملة نشطة وواسعة على كافة المستويات الحكومية الأمنية، والوزارات المعنية (وزارة الداخلية، وزارة الثقافة، وزارة الأوقاف، وزارة التنمية الاجتماعية، وزارة الخارجية، وزارة التربية) للخروج باستراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف تمخضت عن إنتاج “الإستراتيجية الوطنية لمواجهة التطرف العنيف” عام 2014. والتي تم نشر تفاصليها في الصحف المحلية الأردنية عام 2016 تحت اسم “الخطة الوطنية لمواجهة التطرف”. وقامت الحكومة بتشكيل لجنة لمكافحة التطرف قامت بوضع إطار مرجعي يتكون من ثلاثة محاور رئيسية هي المحور الثقافي الديني والمحور الديمقراطي ومحور حقوق الأنسان.

يؤكد المحور الثقافي على ضرورة دعم وترويج ثقافة دينية إسلامية صحيحة أصيلة منطلقة من مقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت لحفظ المقاصد الخمس الأساسية وهي ما يسميها الأصوليون المقاصد الكلية التي جاء الدين لتحقيقها، وهي أن يحفظ للناس (دياناتهم وأنفسهم وعقولهم وأنسالهم وأموالهم).

أما بالنسبة للمحور الديمقراطي فهو يؤكد على أن غياب الديمقراطية غالبا ما يؤدى إلى ازدهار ثقافة العنف والتطرف بأشكالها المختلفة. ومن ثم، دعت الإستراتيجية إلى تعزيز القيم الديمقراطية في الحرية والعدالة والمساواة واحترام الأديان والأقليات ونبذ التشدد الديني والطائفي.

وفى يخص محور حقوق الأنسان فقد  دعت الإستراتيجية إلى تأصيل قيم التسامح والتعددية وثقافة احترام حقوق الإنسان وترسيخها وقبول الآخر من خلال المؤسسات المعنية بالتوجيه والتربية مثل وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية ووزارة الثقافة والمؤسسات الشبابية والإعلامية ودائرة الإفتاء.

ردود الفعل على الاستراتيجية

أثارت الإستراتيجية منذ نشرها في وسائل الإعلام المحلية الكثير من النقاش، وردود الفعل الواسعة منها الإيجابي، من حيث أنها استراتيجية تشاركية، حيث تتكاتف فيها جهود جميع المؤسسات المعنية الرسمية وغير الرسمية. ومنها السلبي الذي يتعلق بنقد مضمون وشكل الإستراتيجية وتوزيع الأدوار بين الفاعلين فيها، وضعف التنسيق بين الجهات الشريكة في الإستراتيجية.

ومن أهم الانتقادات التي وجهت لتلك الإستراتيجية هو أنها تعاني من ضعف شديد في إدراك الأسباب والمداخل التي يتسرب منها الفكر المتطرف، كما أخفقت أيضا في إيجاد روابط قوية متينة بين المؤسسات والوزارات ودفعهم على التنسيق في ما بينهم لبناء خارطة متكاملة. فعلى الرغم من تأسيس مديرية خاصة لمكافحة التطرف، إلاّ أنّ التصور الرسمي لهذه المديرية بقي متذبذباً غير مدرك للدور الذي يمكن أن تؤديه على الصعيد المدني، فتم ربط الإستراتيجية بداية بوزارة الداخلية، ثم نقلها إلى وزارة الثقافة ثم أعيدت الى رئاسة الوزراء  ولم تخصص لها موارد حقيقية، ولم تعط نفوذاً للدخول إلى عمل المؤسسات والوزارات المعنية والتنسيق الكامل معها ،واليوم لا نكاد نسمع عنها أي خبر!

وعلى الرغم من أن اهم ما يميز الإستراتيجية الوطنية هو أنها تشاركية، إلا أن ملفها لا زال يصنف على انه “سري” ويخضع لإشراف دائرة المخابرات العامة، مديرية الأمن العام، وزارة الداخلية، وزارة التنمية الاجتماعية، ووزارة الأوقاف.

 كما يؤخذ على الإستراتيجية أيضا أنها لم تتطرق بعمق وتوسع إلى الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تؤدى إلى التطرف، منها على سبيل المثال  فشل مشاريع التنمية، وتفشى الفقر والبطالة، وغياب العدالة الاجتماعية، والفساد، واحتكار الثروة.

تطرقت الإستراتيجية أيضا لدور وزارتي التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي وتناولت موضوع تحديث لمناهج بشكل يتوافق مع “الإسلام الوسطى” وهو مصطلح غير مضبوط علميا ولا يوجد له تعريف دقيق.

بالإضافة إلى ذلك، تبنت الإستراتيجية مقاربة لمواجهة التطرف تمكن كلا من وزرارة الأوقاف ودائرة الإفتاء من ضبط  شرعية الحديث باسم الإسلام وتفسيره وتأويله، حيث قدمت بعض الخطوات الإجرائية التي  تتحكم في منظومة الوعظ، والإرشاد والخطابة والمساجد لضمان الالتزام بالخطاب الديني الوسطي . ومن الجدير بالذكر أن تلك الشرعية التي يراد ضبطها لا تعترف بها تيارات الإسلام السياسي العنيفة وغير العنيفة مما يساهم في تعزيز حجج تلك التيارات من خلال مقاربة الاعتدال الذي تتبناه الإستراتيجية.

وفي ضوء الارتفاع المحتمل للعمليات الإرهابية على المستوى المحلى، يجدر بنا إعادة النظر في تلك الإستراتيجية الوطنية وتقيمها، نظرا لان بنية تلك الإستراتيجية قد صيغت بطريقة وعظّية، ومعظم بنودها مرتبطة فقط بتحسين ظروف وبيئة العمل في الوزارات والمؤسسات المشاركة في الإستراتيجية، وليس في كيفية معالجة الإرهاب والتطرف

التوصية

ختاماً؛ وحتى يتسنى لتلك الإستراتيجية أن تنجح، فمن الضروري إخضاعها لمبدأ الشفافية والتقييم النقدي، والتغذية الراجعة، وتسهيل حصول الباحثين والدارسين والإعلاميين على المعلومات اللازمة حوله ضمن إطار المبدأ المعروف “الحاجة إلى المعرفة” بما يساهم في النهاية في تشارك كافة الأطراف الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في مسيرة مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف دون المساس بالأمن الوطني أو الدولي.

كما يجب تعزيز تلك الإستراتيجية بخبراء في علم نفس والسياسة، والاجتماع، والشريعة، وأشخاص خبراء في الإرهاب والتطرف العنيف مؤهلون للحوار والنقاش مع حملة الأفكار الإرهابية. ومن ثم، فإن إشراك قطاعات واسعة من المجتمع الأردني بشكل يتجاوز القنوات الحكومية التقليدية، سيساعد السياسية الأردنية في مجال مكافحة الإرهاب لأن تصبح أكثر فعالية وأكثر مراعاة للتهديدات الحالية والمستقبلية.


About Author

Saud Al-Sharafat ,Phd https://orcid.org/0000-0003-3748-9359 Dr. Al-Sharafat is a Brigadier-General (Ret), Jordanian General Intelligence Directorate (GID). Member of the National Policy Council (NPC), Jordan, 2012-2015. The founder and director of the Shorufat Center for Globalization and Terrorism Studies, Amman. His research interests focus on globalization, terrorism, Intelligence Analysis, Securitization, and Jordanian affairs. Among his publications: Haris al-nahir: istoriography al-irhab fi al-Urdunn khelall 1921-2020} {Arabic} {The River Guardian: the historiography of terrorism in Jordan during 1921-2020}, Ministry of Culture, Jordan, www.culture.gov.jo (2021). Jordan, (chapter)in the Handbook of Terrorism in the Middle East, Insurgency and Terrorism Series, Gunaratna, R. (Ed.), World Scientific Publishing, August 2022, 47-63 https://doi.org/10.1142/9789811256882_0003. Chapter” Securitization of the Coronavirus Crisis in Jordan, “Aslam, M.M., & Gunaratna, R. (Eds.). (2022). COVID-19 in South, West, and Southeast Asia: Risk and Response in the Early Phase (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9781003291909

Leave A Reply