بشار جرار – واشنطن-خاص لمركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والارهاب عمان-الأردن
في هذه المقالة يحاول المحلل والمعلق والناشط السياسي الامريكي في الحزب الجمهوري بشار جرار إلقاء بعض الضوء على قضية العنصرية في امريكا واستخدامها في الاستقطاب السياسي وحمى الانتخابات الامريكية المقبله. ومن هو جورج فلويد ولماذا تم استغلال مقتله بهذا الشكل غير المسبوق في أمريكا؟.
كم أضحكنا الراحل الكبير الكوميدي السوري نهاد قلعي في دوره حسني البورزان عندما كان يستهل مقالته بعبارة: إذا أردنا أن نعرف ماذا في البرازيل علينا أن نعرف ماذا في إيطاليا! ومن المضحك المبكي لسان الحال الذي يدفعنا إلى القول: إن أردنا أن نعرف من هو جورج فلويد، علينا أن نعرف من هو جورج سوروس. إجابة سأتركها لخاتمة هذه المقالة.
قامت الدنيا ولم تقعد بعد، ليس في أميركا وحدها بل في العالم كله منذ أن سجلت – قبل عشرة أيام – كاميرا هاتف مراهقة آخر ثماني دقائق وست وأربعين ثانية في حياة جورج فلويد. الحادثة لا شك شنيعة لكنها ليست الوحيدة وحياة الأميركيين السود أو كما يحلو للبعض تسميتهم خطأ بالسود الأفارقة، أكثر ما أزهقت برصاص السود أنفسهم وأقليات أخرى وليس البيض وحدهم. فمن الخطأ المركب اختزال كل قضايا الكراهية، التمييز، العنصرية، الإفراط في استخدام قوة جهات إنفاذ القانون وأسباب التوتر الاقتصادي الاجتماعي في أميركا، اختزالها جميعا في الذي شهده سوبرماركت الأميركي الفلسطيني محمود أبو ميالة في مينابوليس بولاية مينيسوتا أواخر الشهر الماضي.
أما وقد شهد جثمان المرحوم جورج ثلاث جنازات في ثلاث ولايات هي مينيسوتا ونورث كارولاينا وتكساس، فإنه ومن باب “اذكروا محاسن موتاكم” نستذكر فيه الجد والأب والزوج والأخ والابن الذي يوارى جثمانه الطاهر الثرى في بيرلاند قرب هيوستن مع نشر هذه السطور. ولا أجامل في كلماتي هذه، فأنا من المؤمنين بأن كل جسد شرفه الله بروح الحياة طاهر بالضرورة، مهما اختلف لونه أو عرقه أو دينه وحتى عمله. محبة الله ورحمته كما أؤمن بها تحتملنا جميعا، فكلنا -اعترفنا أو تجمّلنا- خطاة نرجو عفوه ورضاه.
أما بعد، فإن السيرة الذاتية للمرحوم لا تفسر كيف تفوق أحداث الاحتجاج الحضاري، والغوغاء الإجرامي من سلب ونهب وترويع على تلك الاحتجاجات وأعمال العنف التي اندلعت غضبا وحزنا على اغتيال راحل بحجم القس مارتن لوثر كينغ داعية حقوق الإنسان والمواطن. جورج لم يكن لا قسيسا ولا حتى من الذين حاولوا الاقتداء بسيرته وتعاليمه. إن صدقت ما يتناقله بعض الصحف والمواقع والمنصات الأميركية، فإن المرحوم الشهيد كان من معاقري الخمور ومتعاطي المخدرات. كان غفر الله له من الذين أمضوا عقوبات عدة بالسجن على جرائم تتعلق بالسطو المسلح والمخدرات الأكثر خطورة وفتكا. حتى في الحادثة الأخيرة، كان المغدور مخمورا وفي دمه أثار كورونا ونوع من المخدرات عالية السمية على عدة أعضاء ونشاطات حيوية من بينها نبض الدم والتنفس ناهيك عن الإدراك. مع حلاوة الروح كان المغدور ينادي على أمه التي سبقته إلى دار الحق. لكن من السمات المعروفة لتلك المادة القاتلة التي في جسمه الطاهر-الملوث بالمخدرات، من سماتها الهلوسة وانعدام القدرة على التمييز بين الواقع والخيال الماضي والحاضر.
كان يرحمه الله أيضا على علاقة عمل بقاتله الضابط ديريك شوفين. كانا يعملان في حراسة ملهى ليلي. ولك أن تتخيل أو “تفحص” فيما قد يكون قد جمع أو فرق بينهما من مصالح أو مشاعر تفسر تلك النظرة اللئيمة التي ارتسمت على وجه المجرم ديريك ويده في جيبه فيما ركبته تمعن في خنق المرحوم جورج. في عالم الملاهي الليلية ينشط كثير من خفافيش الظلام من تجار الرق الجنسي إلى المخدرات إلى تزوير وغسيل الأموال. وعلى ذكر الأموال استوقف كثيرين وأنا منهم مسألة العشرين دولارا “المزورة”. المشكلة ليست فيما إن كانت مزورة أم صحيحة، وإنما المثير للتساؤل هو لحاق أحد العاملين في سوبرماركت أبو ميالة إلى المغفور له جورج حيث كان يهم بقيادة سيارته وهو في حالة سكر وتعاطي.
أي زائر لأميركا يعلم أن من الإجراءات الاحترازية التي يقوم بها بعض المحال هو وكما يقال بجرة قلم، يستطيع كشف العملة المزورة من خلال قلم خاص وبمجرد رسم خط عليها. عادة هذا الإجراء يستخدم من فئة العشرين فأعلى ولا يقوم البائع بتسليم المطلوب إلى الزبون كعلبة السجائر إلا بعد التحقق من سلامة ما بين يديه من عملات ورقية. لا بل هناك أليتان أخريان هما الكاميرا المثبتة على كل كاشير والمايكروفون الرابط بين كل الموظفين والمشرف على فريق العمل بحيث يقول البائع مثلا هذه خمسة عشر دولارا باقي من العشرين مع تسليمه السجائر.
ما أريده من ذكر هذه التفاصيل هو غياب كثير من الزوايا والأدوات عن تسجيل ما جرى. ماذا مثلا عن كاميرات وميكروفونات رجال الشرطة الأربعة؟ ماذا عن كاميرات أبو ميالة؟ إن كان فلويد “معروف لدينا” كما يقال فلم كان التصعيد؟ وهل كان مبررا؟ أين التقارير التلفزيونية “البكائية” والسير الذاتية “ذات الشحن العاطفي والتحشيد السياسي” لأكثر من عشرة أميركيين سود قتلوا في الفترة ذاتها في شيكاغو؟ ما هذا الهوس في تحويل فلويد إلى أيقونة يحرق الأخضر واليابس من أجلها؟ ومن الذي يصنع ظاهرة القطيع في الإعلام ليس فقط في صفوف الجمهور وإنما الإعلاميين أنفسهم؟ ما هذا الاستقطاب في التغطية الصحافية داخل وخارج أميركا؟ المسألة ليست فوكس نيوز مقابل إم إس إن بي سي التي قامت مؤخرا بتعيين إحدى خصوم ترامب معلقة متخصصة في الشؤون القانونية بالقناة التي كانت تقوم قبل أشهر بتغطيتها كموظفة إف بي آي منخرطة بالتحقيق في خدعة التواطؤ الروسي الأميركي المزعوم لإيصال دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
الآن نعود إلى جورج الآخر، إنه جورج سوروس يا سادة، اسم معروف كلما انهارت أسواق مالية أو اندلعت اضطرابات شعبية في زوايا العالم الأربع. جورج هذا يا أحبة، هو ممول أنتيفا وكثير من الهيئات ومنظمات المجتمع المحلي “الإن جي أووز” والحملات التي تتبنى الأجندات الليبرالية. وقد وجب هنا التنويه أن كلمة ليبرالية في أميركا ليس ذاتها الشائعة في أوروبا أو الشرق الأوسط. ليبرالية سوروس هي أقرب ما تكون إلى الانفلات وليس التحرر اللامتناهي. ليبرالية تسعى إلى تقويض دول ومجتمعات من الداخل باسم شعارات زائفة مضللة.
لا يساورني أدنى شك، ولم تتزعزع قناعتي منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض بأن أكثر أعدائه خطورة هم الداخل. مشروع ترامب وكل من قال بلادي أولا أو تبنى المصالح الحقيقية للناس ولم يأبه بابتزاز الدولة العميقة بمفهومها السلبي وبأدواتها التقليدية خاصة الصحافة، هذا المشروع هو حياة أو موت. لهذا فإن أكثر شعارات ترامب خطورة على الإطلاق هو: جفف هذا المستنقع، في إشارة إلى مستنقع واشنطن أو بمعنى آخر أصحاب الأجندات الخفية، فاحذروهم أحبتي إنهم بين ظهرانينا أنّا كنتم..