الدكتور سعود الشرفات -مدير مركز شُرُفات
2019-12-02
تحوّل جسر لندن الشهير إلى أيقونة في سيرورة الإرهاب الاسلاموي خاصة بعد عملية إرهابية أخرى باستخدام أسلوب الطعن بالسكاكين ذهب ضحيتها، الجمعة الماضي، شخصان، رجل وامرأة، إضافة إلى منفّذ العملية، وجرح 3 آخرين.
أثارت العملية الكثير من الأسئلة والدروس وعلى رأسها الإمكانيات الكبيرة لإرهاب “الذئاب المنفردة”
وقد أعلنت الشرطة البريطانية أنّ اسم الإرهابي الذي قتل من قبل الشرطة هو “عثمان خان” البالغ من العمر 28 عاماً من أصولٍ باكستانية.
وقال نيل باسو، قائد شرطة مكافحة الإرهاب ببريطانيا، في بيان له عقب العملية مباشرة ، إنّ “هذا الشخص كان معروفاً للسلطات وأدين في 2012 في جرائم إرهابية وخرج من السجن بإطلاق سراح مشروط في كانون الأول (ديسمبر) العام 2018. وكانت الأجهزة الأمنية أكدت عقب الهجوم أنّ المنفذ هو شخص واحد فقط، وهو ما يعني أنّه ذئب منفرد آخر حسب اعتقادي .
أكدت الأجهزة الأمنية عقب الهجوم أنّ المنفذ هو شخص واحد فقط
وكما هو متوقع أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن هذا الهجوم، وقال، في بيان مقتضب على تليغرام، أول من أمس، إنّ الهجوم جاء استجابة لدعوة التنظيم استهداف مواطني الدول الأعضاء في التحالف الدولي المناهض له.
وكان خان دخل السجن العام 2012 مع ثمانية آخرين في قضية مرتبطة بتنظيم القاعدة بتهمة التآمر لتنفيذ مجموعة أهداف بينها اغتيال عمدة لندن آنذاك، بوريس جونسون، ورموز يهودية وتفجير مبنى بورصة لندن. وأدين بالتحضير لخطط طويلة الأجل، تتضمن المشاركة في التحضير وجمع التبرعات من بريطانيا لإنشاء معسكر تدريب للنشاط في الجزء الباكستاني من كشمير حيث تنتمي عائلة خان ، وهناك معلومات اشارت الى علاقته بجماعة المهاجرين البريطانية المتطرفة المؤيدة لتنظيم داعش ،وزعيمها الباكستاني الأصل أنجم تشودري .وعلى أثرها حُكم على خان بالسجن ثمانية أعوام.
ومنذ يوم الجمعة السوداء ٢٩ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ضجّت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في بريطانيا والغرب بتحليل رمزية جسر لندن وعلاقته بالإرهاب في بريطانيا؛ حيث كان مسرحاً لهجوم في حزيران (يونيو) 2017 عندما قاد ثلاثة مسلّحين سيارة، وصدموا مارة ثم هاجموا المواطنين في سوق بورو بالسكاكين بشكل عشوائي مما أسفر عن مقتل ثمانية وإصابة 48 بجروح.
حتى الآن ليس هناك أي تفاصيل مؤكدة حول دوافع وأهداف خان، لكن تواترت المعلومات عبر وسائل الإعلام المختلفة إلى أنّ منفّذ العملية إرهابي قديم كان مؤيد لبتنظيم القاعدة منذ أن كان في التاسعة عشرة من عمره؛ وتأثر بدعاية القاعدة والقيادي المعروف أنور العولقي الذي قتلته CIA عام 2011 باستخدام طائرة بدون طيار . واتهم خان بالإرهاب مع مجموعة من الأشخاص العام ٢٠١٢؛ إذ تم سجنه لكنه خرج من السجن بعد قضاء نصف مدة السجن وكان تحت المراقبة الأمنية لضمان حسن سلوكه، وقد وصفه قاضي التحقيق في تلك القضية بأنّه رغم أنّه كان أصغر أعضاء المجموعة سنّاً إلا أنّه كان أكثرهم خطورة وتطرفاً.
وفي يوم الجمعة الذي ارتكب فيه العملية كان خان يحضر جلسة ومحاضرة ضمن برنامج إعادة التأهيل والاندماج المخصصة للمهتمين بالإرهاب نظمتها جامعة “كامبريدج” حول إعادة تأهيل السجناء تحت عنوان “التعلم معاً”، وهي جزء من مشروع لأكاديميين في معهد علم الجريمة في جامعة “كامبريدج”، وكان خان خلال ذلك يرتدي طوقاً إلكترونياً بعدما استفاد من إطلاق سراح مشروط، نقلاً عن مصادر حكومية، كما كان يضع جهازاً مثبتاً على جسده، قالت الشرطة إنّها تعتقد أنّها “متفجرات مزيّفة”؛ حيث خرج من المحاضرة وأخذ باستهداف المواطنين بشكلٍ عشوائي.
انتقد بوريس جونسون عقب العملية إجراءات الأمن البريطانية بإخلاء سراح المتهمين بالإرهاب
المحرج للأجهزة الأمنية البريطانية أنّ خريطة الإرهاب كانت تشير الى أنّ تهديد الإرهاب مرشح للزيادة خاصة من قبل “الذئاب المنفردة” خاصة بعد مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي، أبو بكر البغدادي، وتهديد الناطق الرسمي الجديد باسم التنظيم بالانتقام من الدول الأوروبية، وبرغم التحضير للانتخابات التشريعية التي ستجري في 12 كانون الأول(ديسمبر) 2019، وفترة التسوق والتحضير للأعياد ورأس السنّة.
قامت بريطانيا بخطوة غريبة بتخفيض مستوى التهديد الإرهابي على المستوى الوطني إلى “كبير” نزولاً من “حاد”، وهو أدنى مستوى منذ العام 2014، وتجري مراجعة هذا التهديد كل ستة أشهر من قبل مركز تحليل الإرهاب المشترك الذي يصدر توصيات إلى الحكومة.
لقد أثارت عملية الجمعة السوداء الكثير من الأسئلة والدروس، وعلى رأسها الإمكانيات الكبيرة لإرهاب “الذئاب المنفردة”، وقدرتها على نشر الرعب في العالم، ودور العولمة التكنولوجية خاصة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشر الحدث حال وقوعه، والتحضيرات الأمنيّة، وطرق وأساليب مكافحة الإرهاب، وانتشار التطرف العنيف في السجون، وتقييم إجراءات إطلاق السراح المشروط، وفشل المقاربة الأوروبية في برامج إعادة التأهيل والإدماج للإرهابين في ظل تخفيض موازنات الأمن والشرطة ومكافحة التطرف العنيف، وكيف ستتعامل هذه الدول مع خطر الإرهاب في حال عاد إليها المقاتلون الإرهابيون من سوريا الذين يهدد أردوغان بإعادتهم الى هذه الدول؟
وقد لوحظ كيف انتقد بوريس جونسون عقب العملية إجراءات الأمن البريطانية بإخلاء سراح المتهمين بالإرهاب، ودعا الى إعادة النظر فيها، وتصريحات صادق خان التي ذكر فيها أنّه تم إحباط 20 عملية إرهابية في لندن منذ العام 2017.
لندن العاصمة العالمية المعولمة اقتصاداً و ثقافات وجنسيات وأعراقاً، و يرأس بلديتها صادق خان، مسلم من أصول باكستانية؛ مصابة اليوم بداء الإسلاموفوبيا والإرهابوفوبيا واليمين الشعبوي المتطرف، وتنافس ونفاق الطبقات السياسية المتصارعة، لكنها رغم ذلك كله تكافح بإصرار وتصميم – وبرود أحياناً- لاستمرار الحياة ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.
وأكبر دليل على ذلك ردة فعل المواطنين العاديين في الشارع في التصدي والسيطرة على الإرهابي، الذين تبين أنّ أحدهم كان عامل مطعم من جنسية بولندية، وساهم في شل حركة الإرهابي باستخدام حربة طويلة لصيد الحيتان، كما ظهر في المقطع المصور على “توتير” ونشرته وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بشكل كثيف عقب العملية.