الدكتور سعود الشرفات
مدير عام مركز شرفات لدراسات وبحوث العولمة و الارهاب.
2019-07-10
شهدت محافظة السويداء في سوريا، يوم الأربعاء 3 تموز (يوليو) 2019، عملية إرهابية أسفرت عن مقتل 5 مدنيين وجرح آخرين، في حصيلة أولية، بحسب موقع “السويداء 24”.
ويُعدّ هذا التفجير الانتحاري الأول في المحافظة منذ الهجوم الواسع الذي تبنّاه تنظيم داعش، في تموز (يوليو) العام 2018، وراح ضحيته المئات من القتلى والجرحى حيث وصف بـ “تموز الأسود”.
أسباب متضاربة
أما عن أسباب هذا الاستهداف؛ فإنّ هناك سيناريوهات متضاربة كثيرة، بعضها قريب من عقلية المؤامرة؛ أولها يتعلق بفكر التنظيم المتطرف الذي تشرّب فتاوى تكفير الدروز، الذين يمثلون غالبية سكان محافظة السويداء جنوب سوريا، والآخر يشير إلى أهداف تكتيكية ضمن حرب التنظيم ضدّ قوات الجيش السوري وبقية التنظيمات وقوات التحالف وروسيا، وبداية سلسلة هزائمه في مناطق متعددة في سوريا.
يضاف إلى ذلك، محاولة داعش إفساد علاقة الدروز مع النظام السوري؛ حيث إنّ التنظيم هدف من هجومه إحداث مزيد من الإرباك في العلاقة بين الطرفين، خصوصاً مع الاتهامات التي وجّهها زعماء الأقلية الدرزية للنظام بتسهيل دخول عناصر التنظيم من جنوب دمشق إلى منطقة بادية السويداء، على غرار ما ذكره الزعيم الدرزي، وليد جنبلاط، بشأن استغرابه من “تساهل النظام مع دخول مسلحي التنظيم للمدينة”، وربطه هذا الأمر برفض مشايخ الدروز تطويع أبناء الطائفة للقتال في صفوف القوات النظامية، وكذلك قيام أهالي السويداء بطرد ممثلي النظام من تشييع ضحاياهم.
وقد أخذ تنظيم داعش باستهداف الدروز في السويداء منذ منتصف عام 2018، رغم أنّهم التزموا الحياد منذ بداية الحرب في سوريا، ولذلك رفضوا الانخراط في القتال، إلى جانب أيّ طرف في الحرب، رغم قبولهم بسيطرة النظام الحالية على المحافظة.
كما يُشار إلى أنّ مشايخ الدروز رفضوا مطالب الوفد الروسي، الذي زار السويداء في تموز (يوليو) 2018، لإقناعهم بانضمام شباب الطائفة للخدمة الإلزامية في قوات الفيلق الخامس.
وبعض السيناريوهات اتهمت النظام بـ”التآمر” مع داعش لضرب الدروز؛ لأنّهم التزموا الحياد في الأزمة، خاصة في ظل إحصائيات غير رسمية تشير إلى أنّ ما بين 30 إلى 50 ألفاً من أبناء السويداء، ممّن هم في سن الخدمة العسكرية والمطلوبين للاحتياط، يرفضون الانخراط في صفوف القوات النظامية، وهو أمر دفع بعض الدروز إلى استنتاج أنّ النظام سمح ضمنيّاً بهجوم داعش، وأنّ ذلك يأتي جزءاً من خطة بديلة من جانب النظام السوري والروس، لإرغام أبناء المحافظة على الانخراط في صفوف قوات النظام.
هجمات داعش
وفي هذا السياق الملتبس؛ قام داعش، بتاريخ 25 تموز (يوليو) 2018، بشنّ سلسلة هجمات متزامنة استهدفت مدينة السويداء وقرى في ريفها الشرقي، وتسبّبت بمقتل 265 شخصاً، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، وخطف التنظيم معه 14 سيدة و16 طفلاً من قرية الشبكي المتاخمة للبادية، حيث يتحصن مقاتلوه.
وهدّد داعش، في أواخر تموز (يوليو) 2018، بإعدام أكثر من 30 امرأة وطفلاً، كان قد خطفهم واحتجزهم، بعد العمليات، كرهائن من المحافظة، وعن هدف التنظيم من هذه العملية، أوضح المرصد، آنذاك، أنّ “داعش يطالب بإطلاق سراح مقاتلين تابعين له تحتجزهم قوات النظام من منطقة حوض اليرموك في محافظة درعا، المجاورة للسويداء”.
وقد قام التنظيم لاحقاً، بعد فشل المفاوضات مع مفاوضين روس، بإعدام طالب جامعي عمره 19 عاماً، وشابة عمرها 25 عاماً، قبل أن يتمكّن الجيش السوري، في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، من تحرير 19 منهم، بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا”.
في العام 1911 أعدم العثمانيون زعماء الجبل بعد إحكام سيطرتهم عليه وكان على رأسهم ذوقان الأطرش ويحيى عامر.
وفي أواخر العام 2018؛ أشارت وسائل الإعلام السورية إلى حديث عن مطالبة التنظيم للدروز الذين يقطنون في بلدات ريف إدلب إشهار إسلامهم، وعقب ذلك استغرب النائب اللبناني، طلال أرسلان، خبر إعلان 18 قرية درزية في إدلب دخولها الإسلام، مؤكّداً أنّ “الدروز مسلمون، كباقي المذاهب، يؤمنون برسالة النبي محمد عليه السلام”.
وذكرت وسائل إعلام سورية؛ أنّ بعض الأمراء في تنظيم داعش تعاملوا في بداية سيطرتهم على إدلب، بنحو إيجابي مع القرى الدرزية، لمعرفتهم أنّ الدروز لم ينحازوا، منذ بداية الأزمة، إلى جانب النظام السوري، لكن تغيّرت الحال ليصل الأمر بالهيئة الشرعية في داعش إلى الطلب من الدروز “إشهار إسلامهم”.
من هم الدروز؟
يعد الدروز طائفة دينية تدين بمذهب التوحيد، ذي التعاليم الباطنية، بحسب بعض الباحثين، وتعود أصولها إلى الشيعة الإسماعيلية، أحد المذاهب الإسلامية، كما أنّهم أهل شجاعة وشهامة ونخوة ونجدة، وكرم منقطع النظير، وهم يتفاخرون بهذه الصفات.
ورغم الغموض والسرية المثيرة للجدل التي يتمتعون بها، والتي جعلتهم ساحة للشائعات والانطباعات الشخصية، إلا أنّ مصادر متعددة تؤكّد أنّهم يؤمنون بالشهادتين؛ أنّ “لا إله إلا الله، وأنّ مُحمّداً رسول الله”، وبالقرآن الكريم، والقضاء والقدر، واليوم الآخر.
وعند المذاهب الأربعة؛ لا يَحِلُّ إقرارهم في ديار الإسلام بجِزْية ولا غيرها، ولا تَحِلّ مناكحتهم ولا ذبائحهم، غير أنّ بعض الفقهاء قالوا: “هم الآن في الواقع مواطنون، فلا بأس بالمعاملة المسؤول عنها معهم”.
ولقد أصدر الأزهر فتوى تقول بانتماء الدروز إلى الإسلام، وفي سوريا صدرت فتوى من مفتي الجمهورية، عدّ فيها الدروز والعلويين والإسماعيليين مسلمين.
يُشير الدروز إلى أنفسهم بِاسم “الموحدين” أو أهل التوحيد؛ نسبةً إلى عقيدتهم الأساسية في “توحيد الله”، أو بتسميتهم الشائعة “بني معروف”، ويعتقد الباحثون أنّ هذا الاسم هو لقبيلة عربية اعتنقت الدرزية في بداياتها، أو ربما هو لقب بمعنى “أهل المعرفة والخير”.
يتمتع الدروز في لبنان وسوريا والأردن، باعترافٍ رسمي كمجتمع ديني منفصل، مع نظام محاكم دينية خاص بهم، ويُعرف الدروز بولائهم للبلدان التي يقيمون فيها، وعلى الرغم من أنّ لديهم شعوراً قوياً بالوحدة مع المجتمع الدرزي؛ حيث يعرّفون أنفسهم على أنّهم مرتبطون حتى عبر حدود البلدان.
تاريخ من الاندماج والمقاومة
ورغم ممارستهم للاندماج مع الجماعات المهيمنة لتجنّب الاضطهاد، ولأنّ الديانة الدرزية لا تؤيد المشاعر الانفصالية، ولكنّها تحثّ على الاندماج مع المجتمعات التي يقيمون فيها، فإنّ الدروز لديهم تاريخ من المقاومة للقوى المحتلة، ويتمتعون في بعض الأحيان بمزيد من الحرية، مقارنة بمعظم المجموعات الأخرى التي تعيش في بلاد الشام، وهذا ما ظهر خلال الحرب في سوريا، بعد 2010، حيث التزم الدروز الحياد.
لعبت الطائفة الدرزية دوراً مهمّاً في تشكيل تاريخ بلاد الشام، واستمرت في لعب دور سياسي كبير في هذه المنطقة كأقلية عرقية ودينية، تعرّض الدروزُ إلى الاضطهاد في العديد من الأحيان؛ إذ عدّهم علماء بعض الطوائف الإسلامية “مرتدين” عن الإسلام، وبالتالي كفَّرت العديد من الفتاوى الدروزَ، واعتبرتْهم “مُرتدين”.
من أبرز حملات الاضطهاد التي تَعرَّضَ لها الدروز؛ كانت من الظاهر لإعزاز دين الله، خليفة الدولة الفاطمية؛ حيث شنّ حملة إبادة المجتمعات المحلية الدرزية، والتي شملت تطهيراً عرقياً في كلٍّ من أنطاكيا وحلب وشمال سوريا. وجرت حملات أخرى مماثلة من قبل المماليك والعثمانيين؛ وفي الآونة الأخيرة قام كلّ من تنظيم داعش والقاعدة بحملات تطهير، في سوريا والدول المجاورة، استهدفت المعتقدات والأقليات غير المسلمة.
بعد طرد الصليبيين من الأراضي المقدسة في فلسطين، حوّل سلاطين مصر المملوكيون انتباههم إلى المسلمين السوريين المنشقين، وفي العام 1305؛ تمّ إصدار فتوى من قبل “ابن تيمية”، بالدعوة إلى الجهاد ضدّ جميع المسلمين من غير السنَّة، ومنهم الدروز.
وفي عهد العثمانيين؛ تعرضّ الدروز، العام 1585، لهجوم شديد في صوفر، بعد أن زعم العثمانيون أنَّ الدروز هاجموا قوافلهم بالقرب من طرابلس، وثاروا على السلطنة العثمانية؛ لأنّ الأخيرة حاولت عدة مرات السيطرة على جبل العرب.
وفي العام 1911؛ أعدم العثمانيون زعماء الجبل بعد إحكام سيطرتهم عليه، وكان على رأسهم ذوقان الأطرش ويحيى عامر، وذلك إثر تمرّد حوران الذي مثّل انتفاضة درزية عنيفة ضدّ السلطة العثمانية في سوريا العثمانية، والتي اندلعت في أيار (مايو) العام 1909، وكان التمرد بقيادة عائلة الأطرش، وقد نشأ من نزاعات محليَّة، بالإضافة لعدم استعداد الدروز لدفع الضرائب والتجنيد في الجيش العثماني، وانتهى التمرد بالقمع الوحشي للدروز من قبل الجنرال سامي باشا الفاروقي، إلى جانب التهجير الكبير لمنطقة حوران وإعدام زعماء الدروز العام 1910، وفي حصيلة التمرد؛ قُتل 2000 درزي، وجُرح عدد مماثل، وسُجن مئات المقاتلين منهم، كما قام الفاروقي بنزع سلاح السكان واستخراج ضرائب كبيرة للمنطقة.
ثم أعلن الدروز ولاءهم للشريف حسين بن علي، مفجّر الثورة العربية الكبرى على الأتراك، وانضم المئات منهم إلى الجيش العربي، واستقر كثيرون منهم في الأردن، وكان الزعيم سلطان باشا الأطرش في مقدمة من رفع العلم العربي في الجبل، ولاحقاً في دمشق.
وفي العام 1925؛ كان للدروز دور كبير في محاربة الاحتلال الفرنسي لسوريا؛ حيث رفضوا تشكيل الدولة الدرزية، وأشعلوا نيران ثورة سوريا الكبرى، وقاد الدروز الثورة الكبرى، بقيادة سلطان باشا الأطرش، ضدّ الفرنسيين، الذين سيطروا على سوريا العام 1921.
هذا ويتراوح عدد الدروز في جميع أنحاء العالم بين 800 ألف، ومليون نسمة، الغالبية العظمى منهم يقيمون في بلاد الشام؛ وفي المقام الأول؛ في سوريا ولبنان و”إسرائيل” والأردن.
ويقدّر معهد الدراسات الدرزية؛ أنّ 40% إلى 50% من الدروز يعيشون في سوريا، إذ يبلغ عددهم حوالي 700 ألف نسمة، يتمركزون في مدن منطقة “جبل العرب”، أو جبل الدروز، في مدن السويداء وصلخد وشهبا والقريا وإمتان وعرمان، وغيرها من القرى الكثيرة، وجرمانا قرب دمشق، ومجدل شمس في الجولان السوري المحتل.
ومن 30% إلى 40% منهم في لبنان، وحوالي 1% إلى 2% في الأردن في الأزرق (محافظة الزرقاء)، وأم القطين (محافظة المفرق)، وعمّان، والزرقاء/ وقرابة 2% من الدروز منتشرون أيضاً في بلدان أخرى في الشرق الأوسط.
وتعيش مجتمعات من الدروز خارج منطقة الشرق الأوسط؛ في أستراليا وكندا وأوروبا وأمريكا اللاتينية (ولا سيّما فنزويلا وكولومبيا) والولايات المتحدة وغرب إفريقيا، ويتحدثون اللغة العربية، ويتّبعون نمطاً اجتماعياً مشابهاً تماماً لنمط الشعوب الأخرى في بلاد الشام.
بعض السيناريوهات اتهمت النظام بالتآمر مع داعش لضرب الدروز لأنّهم التزموا الحياد.
يُعتقد أنّ ابن تيمية هو أول من كفّر الدروز صراحةً وأخرجهم من دين الإسلام؛ فقد أصدر في عهد ناصر الدين محمد بن قلاوون، فتوى بالدعوة إلى الجهاد ضدّ جميع المسلمين من غير السنَّة، مثل: الدروز، والعلويين، والإسماعيليين، والمسلمين الشيعة الإثني عشرية؛ حيث جاء في مجموع الفتاوى (35/ 161-162) لابن تيمية ما نصّه:
“وأما الدرزية فأتباع نشتكين الدرزي، وكان من موالي الحاكم، أرسله إلى أهل وادي تيم الله بن ثعلبة، فدعاهم إلى إلهية الحاكم، ويسمونه البارئ، العلام، ويحلفون به، وهم من الإسماعيلية القائلين إنّ محمد بن إسماعيل نسخَ شريعةَ محمد بن عبدالله، وهم أعظم كفراً من الغالية، يقولون بقدم العالم، وإنكار المعاد، وإنكار واجبات الإسلام ومحرماتِه، وهم من القرامطة الباطنية الذين هم أكفر من اليهود والنصارى، ومشركي العرب، وغايتُهم أن يكونوا فلاسفة على مذهب أرسطو وأمثاله، أو مجوساً، وقولهم مركب من قول الفلاسفة والمجوس، ويُظهرون التشيع نفاقاً”.
واليوم، حذت الجماعات السلفية المعاصرة جميعها حذو ابن تيمية، في تكفيرهم والادّعاء بأنّهم “فرقة مارقة خارجة عن دين الإسلام، وإن كانوا يتظاهرون بالإسلام”.