الدكتور سعود الشرفات
مدير عام مركز شرفات لدراسات وبحوث العولمة و الارهاب
2019-07-07
تبدو مسألة الاتفاق على تعريفٍ محدّد لمفهوم الإرهاب من المستحيلات، خاصّة في ظلّ وجود أكثر من 200 تعريف مشهور للمفهوم في أدبيات دراسة الظاهرة.
ولذلك؛ فإنّ أهم الباحثين في أدبيات الظاهرة، دعوا للخروج من هذا المأزق المعرفي والسياسي إلى التركيز ليس على مسألة التعريف؛ بل على التفريق بين الإرهاب وغيره من أشكال العنف السياسي.
والمفيد في الأمر هنا؛ هو أنّ كلّ تعريف يُعتمد من قبل أيّ باحث يُفترض أن يخرج بنتائج مختلفة تفيد البحث العلميّ للظاهرة، وما يقابلها أو يرتبط بها من ظواهر، أو اتجاهات راهنة، ومستقبلية وتساعد المجتمع العالمي في مسألة فهم هذه الظاهرة وإيجاد الحلول المناسبة للحدّ من خطرها ومكافحتها.
ومع إدراك صعوبة وضع تعريف لمفهوم الإرهاب يحظى بقبول جميع الباحثين، فإنّ التعريف الإجرائي لمفهوم الإرهاب، هو: عنف سياسيّ متعمَّد، أو التهديد به؛ بهدف زرع وبثّ حالة من الخوف والرعب والارتياب المستمرّ، ويستهدف الأهداف المدنية والعسكرية والأمنية، وتخطّط له وتنفذه “أطراف فاعلة دون الدول”.
وعليه، فإنّ هذا التعريف يشتمل على مجموعة من الركائز، هي:
- العنف لدوافع سياسية (دون بحث شرعيتها؛ لأنّها مسألة بحث قانونيّ، والورقة ليست كذلك) في إطار التأثير على سلوك الطرف المستهدف وبنيته.
- الفاعلون (أطراف فاعلة ما دون الدول) الجماعات والمنظمات الإرهابية مثل؛ القاعدة وداعش وغيرهما، والأفراد (الذئاب المنفردة) الذين يعملون بشكل مستقل عن الجماعات الرئيسة.
- استهداف المدنيين والعسكريين ورجال الأمن.
- تخطّي الزمكان (عولمة استمرارية حالة الرعب والخوف والارتياب، والعمل المقصود على استمراريتها في كلّ مكان في العالم).
الإرهاب العالمي
السؤال الجوهري الذي يواجه مجتمع الدول والمجتمعات في العالم في الحقبة الحالية من العولمة هو: كيف تواجه العنف بشكل عام والأسباب التي تحرك وتحفز وتدفع إلى الإرهاب؟ وما هي الأدوار التي يمكن أن تقوم بها الأطراف المختلفة في المجتمع، وعلى رأسها الشباب، في مكافحة التطرف العنيف والإرهاب؟
ثمّ محاولة الإجابة عن سؤال: ما هو هذا “المشروع” الذي يستطيع حشد وجمع أكثر من 40 ألف مقاتل من 120 دولة في العالم مستعدين للتضحية بالغالي والنفيس وللموت من أجله؟
وإذاً، فهذا المشروع ليس سهلاً، أو عابراً، وبناءً عليه؛ يستحق من الجميع المزيد من التعمّق والدرس الموضوعي لفهمه واستيعاب دروسه الحالية والمستقبلية.
وتشير إحصائيات “معهد الاقتصاد والسلام”، لعام 2017، إلى أنّ الدول التي تشهد صراعات عسكرية عنيفة، تعرّضت لخطر الإرهاب أكثر من غيرها، وأنّ الدول العربية التي تأثرت أكثر بموجات ما يسمى بالربيع العربي تعرّضت لعمليات إرهابيه أكثر.
وأنّ 99% من مجموع قتلى العمليات الإرهابية، و96% من مجموع العمليات الإرهابية عالمياً، حدثت في الدول التي تعاني من صراعات عسكرية، والدول التي تعاني من ارتفاع معدلات الإرهاب السياسي.
والإرهاب مشكلة عولميّة؛ بمعنى أنّه يتحرك في فضاءات العولمة، محمّلاً بكلّ آلياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية، ولذلك لا يمكن معالجته بالوسائل الأمنية والعسكرية والحروب فقط، وإذا كان الإرهاب، مهما كان مصدره أو شكله، “يستحق الإدانة فإنّ الإرهاب المضاد لا يختلف عنه”.
وفي ظلّ هذا الوضع، يطرح السؤال: أين موقع الشباب في معادلة الإرهاب المعولم؟. لأنّه، لا يمكن اليوم، وفي ظلّ سيرورة العولمة الطاحنة الفصل بين الإرهاب الداخلي أو المحلي والارهاب على مستوى الدول.
الشباب والإرهاب العالمي
كان السكرتير العام للأمم المتحدة “بان كي مون”، خلال جلسة لمجلس الأمن 23 آذار (مارس) 2015، خصصت لبحث العنف والتطرف، قد أكّد أنّ الشباب يشكّلون نصف المجتمعات التي تتعرض لخطر التطرف الديني والإرهاب.
ومن المؤسف أنّ معظم هذه الدول هي عربية وإسلامية، وعلى رأسها الآن: سوريا والعراق وليبيا والصومال واليمن والباكستان وأفغانستان ونيجيريا.
وفي تلك الجلسة التي ترأسها الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، كأصغر رئيس جلسة لمجلس الأمن في تاريخ المنظمة، دعا الأمير أيضاً إلى ضرورة “وقف تغذية التطرف بدماء الشباب”، وأكّد أنّهم أول ضحايا الإرهاب والتطرف الذي يشكل أكبر خطر يواجه السلم العالمي”.
وتتجلّى أهم مآسي الإرهاب العالمي، اليوم، في موجات التشريد والهجرة واللجوء القسري من أماكن الصراعات والحروب والأزمات؛ حيث يشهد العالم اليوم أعلى مستويات التشريد، أكثر من أيّ وقت مضى؛ إذ شرّد 59.5 مليون شخص في جميع أنحاء العالم من أوطانهم.
ومن بين هؤلاء، هناك ما يقرب من 20 مليون لاجئ، أكثر من نصفهم من الشباب تحت 18عاماً، واعتباراً من منتصف شهر آذار (مارس) 2016، سجلت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 2.1 مليون سوري لاجئ في مصر والعراق والأردن ولبنان، وسجلت الحكومة التركية 1.9 مليون سوري، وسجلت المفوضية أكثر من 28 ألف لاجئ في شمال إفريقيا، وكان هناك ما يقرب من 900 ألف طلب لجوء من السوريين في أوروبا، بين عامَي 2011 و2015.
ولعلّ مما يزيد من قتامة هذا المشهد؛ الوقوف عند حقيقة أنّ نصف الشباب العربي، بحسب الاستطلاعات الحديثة، يفكر بالهجرة إلى الخارج، خاصة أوروبا، وأعداد أخرى هاجرت أو اضطرت إلى الهجرة القسرية واللجوء نتيجة الحروب والصراعات العنيفة؛ في العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال وأفغانستان.
والخطير في الأمر؛ أنّ هذه البيئة تشكّل مجالاً مناسباً لاستهداف فئة الشباب من قبل الجماعات الإرهابية، التي تستغل حالة الضعف والإحباط والغضب والتمرد، الذي تشكّله مآسي الحروب والصراعات للتجنيد ونشر أيديولوجيتها.
ورغم أنّه لم يثبت أنّ هناك علاقة بين زيادة الهجرة واللجوء وزيادة العمليات الإرهابية، خاصة في الغرب، إلّا أنّ انتشار الشعبوية واليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا، زاد من وتيرة الإسلاموفوبيا والخوف من الأجانب، وفي مقدمة هؤلاء فئة الشباب.
وتؤكد دراسة لمركز “رند” الأمريكي؛ أنّ الفقر والحرمان المادي لهما أثر أقلّ على درجة التطرف بالمقارنة مع ما يتخذه البلد المستضيف للاجئين والمجتمع الدولي من أفعال، أو ما يمتنعان عن اتخاذه من الأفعال.
ولا شكّ في أنّ الجماعات الإرهابية تركز على تجنيد “شباب” لاجئين، غالباً ما تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً، ويمكن أن يبدأ التطرف قبل سنّ 15 عاماً، وتزداد هذه المخاطر إذا لم يكن أمام الشباب سوى فرص قليلة للتعليم ما بعد المستوى الابتدائي، وإذا كانوا يشعرون بالتمييز، أو إذا كانت الجماعات المتطرفة تقدم التدريب.
إنّ المقاربة التي تدّعي أنّ الشباب الذين تجذبهم الجماعات الإرهابية، أو ينتمون لهذه التنظيمات، يتعرضون لغسل دماغ، أو هم فقراء معدمون لا يجدون قوت يومهم، وعاطلون عن العمل، أو مهمّشون؛ هي مقاربة مضلّلة وخاطئة، تنزع عنهم الحافز والإدارة والتخطيط وحرية الإرادة والعقلانية، ولا تساعد أبداً في فهم وتحليل أسباب توجه الشباب للتطرف والإرهاب.
وتشهد حقبة الإرهاب العالمي الحالية كثيراً من الاتجاهات الجديدة والمميزة، منها؛ أنّ دولاً مثل (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا والسويد والنرويج والدنمارك) أصبحت تُصدّر المتطرفين والإرهابيين الإسلاميين الشباب، ذكوراً وإناثاً، إلى مناطق الصراع التي فتحت ثورات الربيع العربي أبوابها، خاصة في العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال.
ولا يحتاج المتابع لهذا المشهد السوريالي إلى كثير عناء ليلحظ ما يلي:
- أنّ التطرف العنيف والغلوّ الديني كانا وراء معظم العمليات الإرهابية في العالم، رغم الرطانة الواسعة والدفاع المستميت عن قيمة التسامح في الأديان عامة.
- أنّ معظم أعضاء الجماعات الإرهابية في العالم، هم من الشباب، خاصّة في جماعات مثل القاعدة وداعش، مقارنة بجماعات اليمين المتطرف في أمريكا وأوروبا.
- أنّ فئة الشباب، من سنّ 17 إلى 27 عاماً، هم غالبية المنفذين للعمليات الإرهابية والانتحارية في العالم، سواءً من جماعات تدّعي الإسلام، أو من جماعات اليمين المتطرف في الغرب أو آسيا.
- أنّ الجماعات الإرهابية على مختلف أشكالها وأيديولوجيتها تركز على أهمية تجنيد فئة الشباب في عملياتها المختلفة.
- أنّ تنظيم داعش يعتمد في تجنيده على طلبة الجامعات أو المدارس الثانوية لاتصالهم الدائم بالإنترنت، ولنشاطهم المستمر بوسائل التواصل الاجتماعي، وأيضاً لسهولة السيطرة على عقولهم من خلال تقنيات نفسية محددة برعوا فيها، وأهم الأساليب النفسية المستخدمة من قبل داعش للسيطرة على العقول الشباب؛ هي تقنية الإكراه، أو ما يسمى تقنية التلاعب النفسي، ومن خلال هذه التقنيات النفسية يتلاعب داعش بعقول الشباب، وخاصة المراهقين، ليجنّدهم ضمن صفوفه، كإرهابيين، وبذلك فإنّ ما يقوم به هؤلاء لا يعدّ خياراً بالنسبة إليهم؛ فهم غير مدركين ذهنياً أنّهم متورطون بعمليات قتل وذبح؛ لأنّه، وبفضل تقنيات مسح الدماغ، التي مورست على عقولهم بدرجة كافية تجعلهم يقومون بعملية ذاتية تخيلية دائمة، وهو ما يسمى (projection)، الذي يجعلهم يظنون أنّهم يجاهدون ويقاتلون في سبيل أهداف نبيلة؛ كإيجاد مدينة العدل الكاملة، والقضاء على الكفرة وإبادتهم، وإقامة الخلافة.
6. نحو 40% ممن تجندهم الجماعات الإرهابية هم من الطلبة والتلاميذ المتفوقين، الدارسين للاختصاصات العلمية، وأغلب من تمّ تجنيدهم، وفق الكثير من الدراسات المتخصصة، تتراوح أعمارهم ما بين 15 و30 عاماً.
7. تؤكّد بعض الدراسات أنّه لا يوجد “نموذج عام” يحمي من الانخراط في العمل الإرهابي، ما يعني أنّه لا توجد دولة في العالم بمعزل عن الإرهاب وتورط شبابها في هذه التنظيمات الإرهابية.
8. الدول التي تعدّ الأكثر تسامحاً وانفتاحاً وديمقراطية في العالم؛ على غرار الدنمارك والنرويج والسويد وهولندا وبلجيكا، هي أكثر الدول التي صدّرت مقاتلين إسلاميين مقارنة بعدد سكانها إلى ساحات القتال في سوريا.
تركزت اختراقات التنظيمات الإرهابية لمؤسسات التعليم في بعض الدول على تخصصات وأنشطة أكاديمية محددة؛ لأهميتها وفائدتها اللوجستية والمستقبلية لتلك التنظيمات من جهة، وعلى طلبة محدّدين، سواء لتفوقهم الدراسي، أو لانتمائهم المذهبي أو الجغرافي؛ حيث لوحظ تركيزها على استقطاب الطلبة والتلاميذ المتفوقين في اختصاصات علمية، مثل: الطبّ والفيزياء والكيمياء والهندسة الإلكترونية، وتجنيدهم في شبكات وخلايا تتولى بعد إخضاعهم لعملية غسل دماغ تسفيرهم للقتال في صفوف “التنظيمات الإرهابية”، ليستفيدوا من مهاراتهم في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت وصناعة المتفجرات والتمريض.
الشباب في مواجهة الإرهاب
الآن، وبعد هذا العرض الوصفي لحالة الشباب سواء في العالم، فماذا يستطيع الشباب فعله في معركة الأفكار ومحاربة التطرف العنيف ومكافحة الإرهاب؟ وما هي الأدوار التي يمكن أن ينشطوا من خلالها؟
وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ وضعية الشباب، خاصة في الدول التي تعاني من الصراعات والحروب، والأزمات السياسية والاقتصادية، مثل؛ الدول العربية، محكومة بحراك وآليات العمل في تلك الدول، وبالتالي؛ فإنّ مجالات النشاط قد تبدو ضيقة وصعبة؛ لأنّ الشباب يكون محكوماً أولاً بإيجاد حلول لمشاكله الذاتية الخاصة به وبعائلاته، ولا يستطيع التحرك خارج إطار تعاون المشترك بين بنى المجتمع ومؤسسات الدولة، وكثيراً ما يجد نفسه مكبّلاً بسلاسل الثقافة الشعبية السائدة.
نحو 40% ممن تجندهم الجماعات الإرهابية هم من الطلبة والتلاميذ المتفوقين الدارسين للاختصاصات العلمية
وفي هذا المجال؛ تعدّ المدرسة، خاصّة في المراحل الإعدادية والثانوية، أهم الأماكن التي يجب التركيز عليها في نشر الوعي حول هذا الملف، فالطلبة في بداية التشكيل والانفتاح الذهني؛ لذلك يجب تعريفهم بخطورة الإرهاب، وتتم هذه التوعية من خلال التركيز على المناهج الدراسية المقررة للطلبة في عدة مراحل دراسية، ولمختلف المواد، وتعزيز ثقافة الحوار وقبول الآخر وآليات الفكر النقدي، خاصة إذا كانت هذه التوعية تنقل من خلال المدرسين الشباب أيضاً.
كما أنّ مؤسسات التعليم العالي تتحمّل دوراً كبيراً في مكافحة الإرهاب والتطرف، من خلال الدور التنويري التثقيفي للطلبة والمجتمع، بكافة مكوناته، والتركيز على نقد وكشف سلبيات الأفكار المتطرفة التي تؤدي إلى الإرهاب، وتشجيع الطلبة على المبادرات الفردية والجماعية التطوعّية، التي تشجع على ثقافة الحوار والنقد والتواصل، وتشجيع تأسيس الأندية الجامعية المختصة بالعمل المجتمعي التطوعي.
ونظراً إلى الدور الخطير والحيوي الذي باتت تلعبه آليات العولمة التكنولوجية، خاصة وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الإرهاب والتجنيد والدعم اللوجستي والدعاية، فإنّه بإمكان الشباب من خلال التعاون مع بعضهم البعض، النشاط والتحرك المضاد، من خلال تشكيل مجموعات ومبادرات بالاشتراك مع مؤسسات المجتمع المدني لمكافحة الإرهاب ومحاربة التطرف العنيف.