يبدأ كتاب (كيف ينتهي الإرهاب ) للباحثة والأكاديمية الأمريكية – أودري كيرث كرونين / الأستاذة في مدرسة الخدمات العالمية في الجامعة الأمريكية –واشنطن بالادعاء ” أن مسيرة الإرهاب تبدو بلا نهاية ؛ لكنها تنتهي دائماً” .
وتدلل كرونين على ذلك بالقول بأن الإرهاب ظاهرة قديمة ؛ في القلب منها انها تكتيك الضعيف . ومع انه تم مواجهة بعض الجماعات الإرهابية المعمرة في السنوات الأخيرة، إلاّ أن متوسط العمر والبقاء لأي تنظيم أو جماعة إرهابية هو (8) سنين.
وتضيف كرونين بأن أبحاثها في ظاهرة الإرهاب أظهرت أن هناك (6) أنماط كلاسيكية لنهاية الجماعات الإرهابية ،وهي :
1- قطع الرأس؛ بمعنى القضاء المبرم على الجماعة إما من خلال القبض على قيادات الجماعة أو قتلها. والأمثلة كثيرة من الجيش الجمهوري الايرلندي الى حزب العمال الكردستاني واعتقال عبدالله أوجلان ، الى جماعة ابوسياف في الفلبين. الى الشيشان في روسيا ، واستهداف القادة الفلسطينيين من قبل إسرائيل.
2- التفاوض ودخول الجماعات الإرهابية العملية السياسية ومثال ذلك الجيش الجمهوري الايرلندي وعملية السلام في إيرلندا ، ونمور التاميل إيلام في سيرلانكا و عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين كذلك.
3- النجاح ، ويعني أن الجماعة الإرهابية تنتهي وتختفي عندما تنجح في تحقق أهدافها ، ومثال ذلك المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا ،و تنظيم الأرغون الإرهابي الإسرائيلي .
4- الفشل، وذلك حينما تفشل الجماعة الإرهابية في المحافظة على البقاء والقوة والقدرة على الدعاية والتجنيد والتكيف مع البيئة السياسية من حولها ومثال على ذلك جماعات اليمين المتطرف في أمريكا.
5- القمع، وهو نمط سحق الجماعات الإرهابية بالقوة خاصة العسكرية
كما في تجربة منظمة (نار ودنايا فوليا) التي تعني بالعربية (إرادة الشعب).
وهي منظمة إرهابية روسية ، خليط من اليمين المتطرف والاشتراكية ، نشطت خلال الفترة 1879-1884 ولاقت شهرة كبيرة باغتيال القيصر ألكسندر الثاني ثم تم سحقها والقضاء عليها ، وتجربة مصر مع تنظيم الإخوان المسلمين خلال الفترة من 1928-1966م ؟
وأشير هنا الى أن تنظيم الإخوان المسلمين لم ينته في مصر عام 1966م رغم القمع ،ولا يزال موجودا حتى الآن رغم ضعفه وملاحقته .
وتجربة الحزب الشيوعي البيروفي – المشهور باسم “الدرب المضيء” وهو خليط من الماركسية اللينينية والماوية الصينية ، استمر الحزب في نشاطه العسكري في مختلف مناطق البيرو حتى تم القبض على رئيسه برفسور الفلسفة – أبيميال غوزمان في عام 1992 فتلاشى العمل العسكري واختفى الحزب تدريجياً . ثم تجربة حزب العمال الكردستاني ، والقبض على زعيمة عبدالله أوجلان . وتجربة قضاء الروس على الشيشان .وغيرها من التجارب .
6- إعادة التوجيه ؛أو التحوّل في أساليب العمل ، وتضرب كرونين امثله على ذلك من تجارب جماعة الفارك الكولومبية ، وجماعة ابوسياف في الفلبين ، و”الجماعة الإسلامية المسلحة ” في الجزائر.
وتؤكد كرونين أن هذه الأنماط السته – التي تدمج مع بعضها البعض أحيانا- تتضمن أفضل توجيه لأي استراتيجية يمكن أن تنجح وأيهما تفشل ولماذا.
وتدعي كرونين بأن أفضل طريقة لتطوير سياسة مكافحة إرهاب فعّالة هي أن يتم تحديد النمط المناسب لكل جماعة إرهابية ؛ وبعدها يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة لإنهائها.
طبعاً هذا يدفعنا للسؤال هنا ؛ ما النمط الذي يمكن أن يطبق على حالة تنظيم داعش الإرهابي؟
تبدو كرونين (كما ذكرت في مقابلة معها على خلفية الحديث عن كتبها الذي صدر في طبعتين عام 2009م ، و2011م اي قبل ظهور تنظيم داعش ) واثقة من نهاية تنظيم داعش ، وتدعي بأن الكثير من الناس يشبه داعش بتنظيم القاعدة ،وهذا صحيح نسبياً ناحية أن الجذور واحدة ، لكن داعش يختلف جوهرياً عن القاعدة بالنظر الى حجم التوحش الذي مارسه خلال السنوات الماضية والذي يشبه، و يُذكر بممارسات “الجماعة الإسلامية المسلحة ” في الجزائر ما بين 1991 و1998 ، حيث تبنت الجماعة عدة عمليات إرهابية ضد أهداف مدنية في الجزائر وفرنسا ، وارتكبت مجازر إبادة بحق القرويين خلال فترة العشرية السوداء في الجزائر كمجزرة بن طلحة ومجزرة رايس .وكانت تستعمل أساليب الاغتيالات، تفخيخ السيارات، و عمليات الإختطاف.
وانتهت “الجماعة الإسلامية المسلحة ” في الجزائر من خلال الحرب العسكرية التقليدية. أي من خلال “نمط القمع” من قبل السلطات الجزائرية.
أما مع تنظيم داعش فأنه سينتهي من خلال دمج أنماط : “القمع” ، و”الفشل” أمام جمهور مؤيديه.
يبقى السؤال : كم بقي من العمر الافتراضي لبقاء تنظيم داعش اذا أخذنا بمعيار كرونين بأن العمر الافتراضي للجماعات الإرهابية هو (8) سنين ؟ فهل سيستمر بالحياة والعمل (4) سنين قادمة على اعتبار انه ظهر عام 2014م ؟
وهل انتهى فعلاً تنظيم داعش بواسطة القمع والحرب الهجينة (التقليدية وغير التقليدية ) والشعور بالفشل ، أم سيختار تغير” أسلوب العمل” و- ربما – يدخل العملية السياسية من بوابة الهزائم الأخيرة في سوريا والعراق ؟
الأمثلة كثيرة التي تعبد الطريق في هذا المجال، ولعل أحدثها تجربة تنظيم الفارك في كولومبيا ، ومنظمة آيتا في إسبانيا وفرنسا ، وتجربة نمور التاميل إيلام في سيرلانكا ، وابوسياف في الفلبين .