مع نطلاق العملية العسكرية لتحرير الموصل ونينوى الواقعتين تحت سيطرة داعش، أخذت الأسئلة حول مستقبل هذه المحافظة العراقية المهمّة تتوارد بكثافة وسرعة.
ورغم الثقة بقدرة التحالف الجديد المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية على هزيمة داعش، إلا أن هناك مخاوف من أن تتضارب آراء الفصائل حول ما سيأتي لاحقاً.
على سبيل المثال، بات من الواضح أن عدداً من الأطراف لديها مصالح بتقسيم المحافظة إلى ستة أو ثمانية كانتونات على أساسٍ عرقي أو مذهبي، بحيث تكون هذه الكانتونات ذاتية الحكم ومستقلة عن حكومة حيدر العبادي في بغداد.
أما في واشنطن والكونغرس، فهناك بعض الدعم لهذا النوع من الحلول، لاسيّما إذا أخذت من منظار أنها طريقة لحماية حقوق الأقلّيات الدينية، كالإيزيديين والآشوريين والكلدان، الذين اضطهدوا بشراسة وخضعوا للتطهير العرقي والتهجير من الأراضي التي استوطنوها منذ القدم، ضمن عملية الإبادة التي شنتّها عليهم داعش.
تحذير: أمامنا تقسيم
هنا لا بد من إطلاق صيحة تحذير بشأن هذه الترتيبات، فرغم أنها تبدو جذّابة بالمطلق، إلا أنها قد تأخذ الأمور إلى منحى أسوأ وليس أفضل. إذ يمكن أن يؤدي التقسيم إلى تعميق الانشقاقات الدينية في الدول الهشّة.
ورغم أن مسألة التشارك في السلطة في الموصل قبل سيطرة داعش عليها في العام 2014 لم تكن مثالية، إلا أنها كانت تمثّل أشكالاً من المشاركة التي نجحت في استيعاب مصالح الأقلّيات وموازنتها. فقد تمخّضت انتخابات مجالس المحافظات عام 2013 عن تحالف للأحزاب مكوّن من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، والحشد الوطني لتحرير نينوى (حرس نينوى) الذي يهيمن عليه السنّة والذي أسّسه أثيل النجيفي، وغيرها من التجمّعات ا كالشبك والإيزيديين والكلدان والأحزاب القومية، الأمر الذي يعكس إمكانية التمثيل من دون اللجوء إلى تفتيت الإقليم.
ليست المقترحات الحالية لإنشاء هذه الكانتونات المنبثقة من الموصل ونينوى والمدعومة ظاهرياً من قبل تركيا، نتاج مقاربات بنّاءة تتقدم بها الأحلاف المنتخبة التي ذُكرت سابقاً، وليست ثمرة الحوار أو التشاور مع فئات المجتمع المدني لمعالجة المشاكل العرقية والطائفية المستشرية منذ زمن طويل.
وهي لا تمثّل، بنفس الأهمية، الجماعات المهمّشة الأخرى، مثل الشباب والنساء وأفراد المجتمع الذين لا تؤخذ آراؤهم وأفكارهم بعين الاعتبار في الجدل الدائر حول مصير الموصل ونينوى بعد داعش.
بل على العكس تماماً، فالدافع الأكبر وراء هذه المقترحات هو تغليب المصالح المذهبية والسلطوية والعشائرية أو العرقية، على حساب حقوق الأطراف الأخرى وأمنها.
بالإضافة إلى ذلك، من غير المرجح أن ينجم إنشاء مثل هذه الكانتونات عن مقاربة استشارية، وبالتالي من المحتمل أن تزيد المشاكل الناجمة عنها وليس أن تجد حلولاً لها، لا سيما إذا ما تضاربت القرارات الداخلية والبنى القانونية لهذه الكانتونات مع الدستور العراقي. وإذا لم تُطرح هذه المقترحات على المواطنين العراقيين كافةً من خلال استفتاءات شعبية، فيمكن أن تكون آثارها ومخاطرها كارثية على السلم الإقليمي في بقية أجزاء البلد.
الحماية
سيكون واضحاً جداً من البداية أن قابلية نجاح مثل هذه الكانتونات تعتمد على مستوى التعاون بين الجيران الجدد.
ويجب أن تخضع سلطات كل كانتون لمفاوضات طويلة ومتبادلة، تتطلب بدورها سنّ أعدادٍ لا تُحصى من القوانين والمعاهدات والاتفاقيات، وتعمل على معالجة سلسلة متكاملة من الأمور بدءاً من القضايا الحياتية اليومية وصولاً إلى القضايا الوجودية.
أحد أهم المخاوف الرئيسة في موضوع الحماية هو التهديد الذي تشكله الشراذم المتبقية من داعش.
هل سيكون لكل كانتون مفترض في نينوى قوات أمن وشرطة ومخابرات خاصة به؟ وما نوع السياسات الأمنية وآليات التنسيق التي ستوضع لمكافحة الجرائم العابرة للكانتونات، مثل الإرهاب وتهريب المخدرات والأسلحة وغيرها من الجرائم الخطيرة؟
الأمن
من المرجّح أن تضعف هذه المقترحات الساعية إلى تقسيم الموصل ونينوى إلى كانتونات تسكنها مجموعات عرقية أو عشائرية أو مذهبية محددة قدرة كل منطقة على حماية نفسها ضد الأخطار والتهديدات المستمرة للجماعات الجهادية الموحَّدة.
لا أحد يقول إن الخيارات ستكون سهلة أمام السلطات الحاكمة في بغداد. أما السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت هذه السلطات مجهّزة لدعم إعادة البناء، أم أنها ستضطر للإذعان لمطالب المصالح العرقية والطائفية المحلية.
ربما يكون الخيار محدوداً في هذه المسألة. وربما تضطر بغداد للاستسلام بشروط، خصوصاً وأن هؤلاء المنافسين المحليين تدعمهم قوى خارجية لا يستهان بقوتها، جيدة التمويل ولديها أجنداتها الخاصة.
يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تفكر مليّاً قبل دعم مطالب الانفصال من قبل زعماء مثل النجيفي ومسعود البرزاني. كما أنه لا بد من التأكد من الدوافع وراء تحالف المصالح الحالي، فالمقترحات التي تؤدي إلى تجزئة السلطة على المستوى الإقليمي، والتي تفتقر إلى جودة التمثيل أو الانسجام ستؤدي بالنتيجة إلى تهميش الفئات الضعيفة.
بعد استعادة الموصل، ستمرّ المحافظة بمرحلة طويلة وشاقة لإعادة الإعمار واستعادة الحكم، الأمر الذي سيتطلب تدخل الولايات المتحدة الأمريكية من جديد.
وفي الحقيقة، فإن شروع التحالف المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية بهجوم عسكري ضد داعش في الموصل ونينوى ينطوي على دور تضطلع به أمريكا في تسويات ما بعد التحرير.
نأمل ألا تُقسيم غنائم الموصل ونينوى بين الظافرين المسلحين، بل أن يحلّ الأمن ويُطبّق القانون على قدم المساواة، ودون محاباة طرف على حساب طرف آخر.
المصدر
https://www.brookings.edu/ar/2016/10/19