أبوجا، نيجيريا- يعرف الزعيم المتنازع عليه لحركة “بوكو حرام” كيف يخدع الموت -ويفعل ذلك بأسلوب مميز.
فبعد أن أعلن الجيش النيجيري أنه “أصيب بجراح مميتة” يوم 19 آب (أغسطس)، ظهر أبو بكر شيكاو في شريط فيديو جديد في الأسبوع قبل الماضي، ليسخر من الحكومة التي ادعت بأنها قتلته أربع مرات سابقاً على الأقل.
ويقول الرجل الذي يدعي أنه شيكاو: “أقول للحكومة النيجيرية المستبدة: موتوا بغيظكم. أنا لم أمت”.
ولكن إذا كان شيكاو لم يصب بأذى جراء القتال ضد الجيش النيجيري، فقد تبين أنه أكثر عرضة للخطر بكثير من داخل تنظيمه. وبعد مرور أقل من 18 شهراً على قيادته “بوكو حرام” إلى شراكة بارزة مع “داعش”، قامت الخلافة المتمركز في سورية والعراق بتنحيته جانباً لصالح ممثل جديد لها في نيجيريا. وفي مقابلة نشرت في المجلة الدعائية لتنظيم “داعش” في آب (أغسطس) الماضي، تمت تسمية أبو مصعب البرناوي، ابن مؤسس حركة “بوكو حرام” الراحل محمد يوسف، زعيماً جديداً للحركة.
ورفض شيكاو تعيين البرناوي، وأصر على أنه ما يزال المسؤول، مشعلاً بذلك حرباً دعائية بين داعمي الزعيمين الجهاديين، والتي استعرت إلى أن قُتل شيكاو في غارة جوية، كما يُفترض، في الشهر الماضي. لكن الحياة دبت من جديد في تلك الحرب الدعائية -والنضال الأوسع من أجل السيطرة على الحركة الإرهابية الأكثر فتكاً في العالم- مع نشر أحدث شريط فيديو لشيكاو، والذي يظهر فيه أمام علم لتنظيم “داعش”.
في قلب الشقاق الأكثر جدية في قيادة حركة “بوكو حرام” في الأعوام الأخيرة، ثمة حالات الخلاف الأساسية حول الأيديولوجية والتكتيكات، وعلاقة المجموعة مع “داعش”. ولم تكن “بوكو حرام” في أي يوم عرض رجل واحد أبداً. وكان لديها دائماً فصائل متنافسة بقيادة قادة محليين أقوياء، والذين يختلفون على كيفية إنجاز هدف المجموعة المتمثل في إقامة خلافة إسلامية. لكن هذه الخلافات تفاقمت منذ تولي شيكاو زعامة “بوكو حرام” في العام 2009. وأدت قسوته وتحمسه للعنف إلى تحييد العديد من أتباعه، بل وربما أثبت البعض منها أنها كثيرة جداً على هضم “داعش”، وهو ما حدا بالمجموعة إلى استبداله بقائد أكثر تحفظاً.
في ظل شيكاو، شنت “بوكو حرام” حملة أرض محروقة عشوائية ضد أي أحد -مسلم أو غير مسلم- لا يعتنق العقيدة القاسية للمجموعة. وفي كثير من الأحيان، كان العمل الذي ترتكبه المجموعة يعرض في أشرطة فيديو تضج بالبشاعة، والتي يعلن فيها شيكاو بزهو المسؤولية عن اختطاف طالبات المدارس أو ذبح نساء وأطفال. وقد استدعى هذا النهج إدانة من مسلمي الاتجاه السائد، بمن في ذلك سلطان سوكوتو، الزعيم الروحي لمسلمي نيجيريا الذي شدد مراراً وتكراراً على أن “عدد مسلمي نيجيريا الذين ماتوا نتيجة نشاط بوكو حرام هو أكبر ممن مات بسببها من المسيحيين”.
كما أثارت تكتيكات شيكاو مشاعر الامتعاض في داخل صفوف “بوكو حرام” نفسها، بمن في ذلك السيد البرناوي الذي يعارض استهداف المسلمين. ومنذ عينه “داعش” لقيادة بوكو حرام، قال: “الهجمات على المساجد والأسواق والأماكن الأخرى التي تعود للمسلمين لا تمثل الدولة الإسلامية، وإنما تمثل نفسها وحسب… إننا لا نفوض ولا نقر هذه الهجمات”. وفي تسجيل صوتي أذيع في نفس الأسبوع الذي أعلن فيه عن تعيين البرناوي، رفض مامان نور، وهو قائد رفيع آخر في بوكو حرام، قيادة شيكاو، مدعياً بأنه “جاهل ويحتاج إلى أن يتعلم بدهيات الإسلام”. وأضاف نور أنه انشق مع مقاتلين آخرين عن “بوكو حرام”، لأنهم لم يريدوا أن يكونوا “جزءاً من خلافة الظلم وإراقة الدماء”.
وكان قادة مثل البرناوي ونور شاعرين بالظلم إلى درجة أنهم اشتكوا مباشرة لقيادة “داعش” من وحشية شيكاو وسلوكه غريب الأطوار واستخدامه المتهور للإعدامات لإسكات أصوات الاستياء الداخلي، كما ذُكر. ويبدو من المرجح أن هذه الشكاوى التي أثارت احتمال حدوث انشقاق رئيسي في داخل مجموعة الإرهاب النيجيرية، والذي قد يضعف نفوذ “داعش”، قد أقنعت التنظيم المتمركز في العراق وسورية بتعيين قائد جديد.
يبقى الخوف من أن تهدد وحشية شيكاو وحدة “بوكو حرام” مبرر تماماً. فقبل أربعة أعوام، كانت مجموعة منشقة تدعو نفسها “الأنصار” قد انشقت عن “بوكو حرام”، واشتكت علانية من استهداف المجموعة للمسلمين. وعلى الرغم من أن “الأنصار” أصلحت العلاقات مع شيكاو في نهاية المطاف، فقد استمرت “بوكو حرام” في حملتها الإرهابية العشوائية.
لم يكن من قبيل الصدف أن يختار “داعش” البرناوي، الذي يتناقض خلقه المنضبط والمتواضع بحدة مع شيكاو، كزعيم جديد للتنظيم في نيجيريا. وكنجل ليوسف، فإنه يتمتع بحق وراثي في القيادة. كما أنه ظهر أيضاً في أشرطة فيديو لـ”بوكو حرام”، لكن أياً منها لم يرق إلى وحشية العلامة التجارية لشيكاو -وكان يجعل وجهه غير واضح على الدوام.
ومع ذلك، وفي ضوء أن شيكاو لم يذهب بهدوء إلى الموت، فإن “داعش” ربما يكون قد هيأ المسرح لاقتتال جهادي داخلي مطول. وكان فصيل من “بوكو حرام” بقيادة نور قد وجه تهديدات غير مباشرة ضد شيكاو. وفي أيلول (سبتمر) الماضي، ظهرت تقارير غير مؤكدة عن اشتباكات بين فصائل “بوكو حرام” المتنافسة.
على الرغم من أن الانشقاقات الداخلية تشير إلى الضعف، فإن الصراع على السلطة داخل “بوكو حرام” لا يعد بالضرورة أخباراً جيدة بالنسبة لنيجيريا. فحتى الفصائل الأكثر اعتدالاً تبقى ملتزمة بالإطاحة بالحكومة. ويعني المزيد من الفصائل فرصة أقل للتوصل إلى اتفاقية متفاوض عليها لوضع حد للتمرد الدموي الذي خلف أكثر من 20.000 قتيل خلال السنوات السبع الماضية. ولا يتوافر أي قائد في “بوكو حرام” على سيطرة كافية على المجموعة برمتها لجعل كل فصائلها تلتزم باتفاق لوقف إطلاق النار أو هدنة. وحتى لو استطاع قائد ما تحقيق إجماع كافٍ، فإن أي مباحثات بين “بوكو حرام” والحكومة النيجيرية ستتطلب على الأقل موافقة ضمنية من “داعش”.
يبدو أن هناك الآن ماركات مختلفة من “بوكو حرام”، بعضها يستجيب لقيادة “داعش”، وبعضها لا يستجيب. وتعني قدرة شيكاو العجيبة على النجاة والبقاء أن من المرجح أن يستمر في التمتع بدعم بعض مقاتلي المجموعة على الأقل -بغض النظر عما يقوله “داعش”.
ماكس سيولن – (فورين بوليسي) 3/10/2016
ترجمة: عبد الرحمن الحسينين، صحيفة الغد الأردنية 12-10-2016
*نشر هذا المقال في الفورين بوليسي تحت عنوان: The Jihadi Too Violent for ISIS