كيف دفعت الصين الشعبية والمملكة العربية السعودية سيرورة العولمة إلى الأمام، من خلال آليات العولمة الاقتصادية والاجتماعية-الثقافية، فعوضتا عن جمود آليات العولمة السياسية؟
شهدت سيرورة العولمة مع نهاية هذا العام، 2016، دفعة قوية إلى الأمام من جانب آلياتها الاقتصادية، بدخول السوق الصينية الهائلة نادي العملات المعتمدة في الأسواق العالمية، جنبا إلى جنب مع الدولار واليورو والين والجنيه الاسترليني، وليصبح اليوان الصيني خامس عملات الاحتياط العالمية المعتمدة من قبل صندوق النقد الدولي، وبشكل رسمي مع بداية الشهر الحالي تشرين الأول (أكتوبر).
وبالمعنى الاقتصادي العام، فإن هذا يعني أن الاقتصاد العالمي سيتغير في البنية والهيكل مستقبلاً، بدفعة إلى الأمام، نظراً للحجم الهائل للاقتصاد الصيني الذي يحتل المرتبة الثانية بعد الاقتصاد الأميركي، خاصة أن المؤشرات الاقتصادية تقول إنه منذ “الإعلان” عن دخول اليوان عملات الاحتياط العام 2015، فإنه أصبح العملة الثانية الأكثر استخداما في تمويل التجارة الدولية.
أما من حيث المعنى الخاص، فهذا يعني أن الأفكار الراسخة والأيديولوجيات يمكن أن تتغير وتتطور. وأن فرضية العولمة الرئيسة، وهي أن سيرورة العولمة تدمج بتسارع وعمق على المستويات الاقتصادية، لكنها تفتت بعمق على المستويات الاجتماعية والثقافية، تبقى هي الفرضية الأقوى ضمن فرضيات سيرورة العولمة.
ولذلك، نرى الآن في المثال الصيني أن آليات العولمة الاقتصادية هي القاطرة النفّاثة التي تجر وراءها بقية آليات العولمة الأخرى؛ السياسية والاجتماعية والتكنولوجية. ونرى أن الأيديولوجيا الصينية ما تزال تتغير مع الزمن، ولم يعد هاجس الصفاء والنقاء الأيديولوجي يحكمها أو يربطها دون تحولات الاقتصاد العالمي. كما لم يعد صندوق النقد الدولي؛ الذراع القوية للعولمة، مثار خوف ورهبة ونقد من الصين “الشيوعية”.
على الجانب الآخر، شهدت سيرورة العولمة الاجتماعية والثقافية حدثا قد يبدو بسيطا وغير ذي بال، لكنه عميق وبعيد الأثر اجتماعياً وثقافياً -حسب اعتقادي- ويتمثل في قيام السعودية بالتخلي عن التاريخ الهجري، والتحول إلى التاريخ الميلادي.
فهذا يعني أن السعودية دخلت التاريخ العالمي (أو التوقيت العالمي) المتعارف عليه كأحد تجليات العولمة، وتخلت عن أن تكون متميزة عن بقية العالم الآن.
وبغض النظر عن الأسباب الخاصة وراء هذه الخطوة؛ والتي لوحظ أنها لم تلق اهتمام الكثيرين في الدول العربية والإسلامية! فإن هذا يعني أن السعودية عبرت سيرورة العولمة من بابها الاجتماعي الثقافي، فأصبحت على تاريخ (وتوقيت) عالمي واحد مع بقية هذا العالم. ولم يعد هناك حواجز أو اختلافات مهما كانت بسيطة.
وهذا هو بالضبط أول افتراضات العولمة: الترابط الشديد والتشبيك والاعتماد المتبادل، الناتجة عن عمليات التفتيت الشديد للبنى والهياكل الاجتماعية والثقافية الصلبة.
الاقتصاد في الصين “الشيوعية”، والتاريخ (كما الثقافة) في السعودية، كلاهما يتماهى الآن ويندمج في سيرورة العولمة ويدفعها إلى الأمام، وكلاهما يمكن أن يساهم في خير وسعادة الإنسانية؛ ويمكن أن يعوض حالة الاستعصاء والجمود في آليات العولمة السياسية التي تجمدت وتوقفت تقريبا جوانبها الإيجابية نتيجة لانتشار التطرف الديني والإرهاب، والحروب، واللجوء والهجرة القسرية، والإسلاموفوبيا.
تدخل الدول والجماعات والأفراد في سيرورة العولمة المتسارعة رغما عنها في الكثير من الأحيان؛ مثلما قد يخرج منها كثيرون فيبقون على حواف العالم اليوم بلا حول ولا قوة. وخير لنا كبشر الآن أن نساهم في إصلاح هذه السيرورة ونجعلها مفيدة لنا جمعيا، بدلا من أن نبقى رهائن للتاريخ والأيديولوجيا نصارع الفوضى أو يقتلنا الحنين للماضي والخواء.
*المدير العام لمركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب
الدكتور سعود الشَرَفات
*- نشر المقال اعلاه في صحيفة الغد الاردنية بتاريخ 12-10-2016م