قبل البدء بمحاربة الأصولية الإسلاموية المتطرفة والفكر التكفيري الإرهابي أرى أن العالم الإسلامي في معظمة تقريبا يعيش ما يسمى بحالة “إنكار الذات” ولا يريد أن يعترف بمشكلة أو مرض التطرف وينصرف في حمى البحث عن الأعراض ومعالجة أعراض المرض الحقيقي متمثلاً بالفكر و(الأيديولوجيا) القادرة على إنتاج هذه المتوالية من (فيروسات) المرض، وأرى أنه لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار عدداً من الأفكارالأولية كمدخل لمحاولة الفهم، وهذه الأفكار هي:
- الفكرة الأولى: ضرورة التركيز على أهمية الفكر والإيمان المطلق والأعمى بالفكرة والاستماته في الدفاع عنها عن وعي وتخطيط وفهم تام واضح وعميق.
- الفكرة الثانية: أهمية عدم الاستخاف و الاستهانة والحط من شأن حملة هذا الفكر؛ ثم محاولة شيطنة أصحابه.
- الفكرة الثالثة: أهمية التأكيد على الاحتمال الكبير بفشل الحوار مع أصحاب هذا الفكر؛ وفي النهاية لن يفضي إلا إلى نتائج بسيطة في مقابل فوائد أكبر لأصحاب هذا الفكر؛ أقلها إثبات الوجود والتوسع بالتجنيد والانتشار ، حتى خارج حدود الفضاء الاسلامي أو ما يطلق عليه العالم الاسلامي .
- الفكرة الرابعة: لمحاربة هذا الفكر والقضاء عليه لا بد من وجود مقاربـة موازية له وليس مواجهة له او معارضة أو منافسة له، تقوم على بناء منظـومة واسـعة وعمـيقة ومقـنعة وذات جـدوى من المصالح والعلاقات والبرامج الأقتصادية والأجتماعية التي تعبر عن مصالح الناس وتدفعهم للدفاع عنها وحمايتها بدل تشتيت الجهد في منافسات طابعها اللعبة الصفرية، ثم خسارة كافة أطراف اللعبة.
- الفكرة الخامسة: أهمية الوعي بأن هناك قطاعاً طفيلياً واسعاً وعريضاً يتكسب من وراء الرطانة الواسعة حول محاربة التطرف أو مكافحة الإرهاب، يشمل: أطرافاً فاعلة من غير الدول، أهمها:
الخبراء و)الأكاديميون( والشيوخ والوعّاظ والمحللون والكتاب والمنظمات غير الحكومية ومراكز البحث والدراسـات والـمرتزقــة وشـركات الحماية والمجمّع الصناعي وبالذات شركات تصنيع الأسلحة والذخائر وتجارة المخدرات… وصولاً إلى الأطراف الفاعلة من الدول، وهي القادرة على بناء التحالفات الدولية وتحريك الجيوش والطائرات والصواريخ.
هذا القطاع الطفيلي الواسع له مصالح ببقاء هذا الوحش طليقا لأن وجوده مرتبط عضوياً ومصالحياً بهذا القطاع.
ويتوقع أن يظل المشهد السياسي العربي والإسلامي يراوح مكانه على المديين المتوسط والطويل،وستكون أجندة التطرف والإرهاب حاضرة في ثنايا هذا المشهد،طالما بقيت المنطقة في جدل عقيم، يختصر في فسطاطين مراوغين وملتبسين جداً هما: المقاومة والجهاد من جهة، والإرهاب من جهة ثانية ومحاولة التفريق بينها، وبين هذين الفسطاطين يتشكل المشهد السياسي العربي الراهن ، وفي ضوء تفاعلهما وتطورهما يتشكل مستقبله.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن البديل أمام البشرية لمواجهة التطرف والإرهاب ليس صراع الحضارات، والثقافات بل برنامج عمل إنساني من أجل الحضارة الإنسانية، وبأننا في هذا العصر أكثر ملاءمة لاختيار سراطات مستقيمة متعددة ومختلفة، حسب توصيف عبد الكريم سروش؛ ولتجاوز (الأيدلوجيات) والنماذج المعرفّية الجامدة ، وتأسيس نماذج أكثر سماحة وإقناعاً وثراءً للبشـرية جمعاء دون تمييز في الدين والجنس والعرق واللغة.