أسوأ الأوضاع الإنسانية هي تلك التي تجبرنا على المفاضلة بين قيمنا وضرورات حياتنا اليومية. ومن المخيب للآمال أننا نجد أنفسنا، في كثير من الأحيان، مجبرين على الاختيار والمفاضلة بين العزيز من قيمنا التي بذلنا الكثير من التضحيات من أجلها.
ويخيم شبح الإرهاب العالمي في وسط هذه المفاضلة.
هناك صراع وجدل محتدمان الآن بين قيم الأمن والحرية (على المستوى الفردي والوطني والدولي والعالمي). وهو صراع يخضع للانطباعات والتصورات الشخصية على المستوى الفردي، وللبراغماتية السياسية على المستوى الوطني والدولي والعالمي. ويرتبط الصراع هنا بالسلسلة المعقدة والترابط الناتج عن عولمة السياسة الدولية.
وسواء على المستوى الفردي أو العام، فإن السؤال الذي يجبرنا الإرهاب على طرحه هو: أيهما أهم لنا كبشر (أفرادا ودولا)؛ قيمة الأمن، أم قيمة الحرية؟
وحتى لا نذهب بعيدا في الإجابة عن هذا السؤال، فإن من المفيد الإشارة إلى أن الإجابة ما تزال مفتوحة، إن في المجتمعات الديمقراطية أم في غيرها.
إذ هناك مقاربات تؤكد أن قيمة الحرية، وهي في القلب من الديمقراطية، بما تمنحه للأفراد من قوة وثقة بالنفس وتقدير لقيمة المواطنة، تساعد على لجم الإرهاب، وتكون عونا لأجهزة الأمن المختلفة في مكافحة الإرهاب.
في المقابل، ثمة مقاربات معارضة ترى العكس؛ إذ تحاجج بأن الإرهابيين يستفيدون أكثر من الحرية للعمل والحركة والتجنيد والدعاية لتنفيذ أعمالهم الإرهابية.
هذه المشكلة، التي تُعرف في الأدبيات السياسية بـ”معضلة الأمن”، ليست جديدة أو حديثة، بل رافقت التطورالإنساني. غير أن إدراكنا ووعينا لهذه المعضلة هما اللذان تغيرا بتسارع كبير، بسبب تطور آليات العولمة المختلفة، خاصة التكنولوجية، في الترابط الفردي من خلال المواصلات والاتصالات؛ الانترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي.
هذا يعني في المحصلة النهائية، أن الأجهزة الأمنية المختلفة، وصانع القرار السياسي في أي دولة، صغيرة أم كبيرة، قوية أم ضعيفة، ديمقراطية أم غير ديمقراطية، يجد نفسة مجبراً على التصرف والإجابة عن السؤال السابق. وخياراته صعبة ومكلفة، أحلاها مرُّ.
*- نشرت في صحيفة الغد الاردنية 24-2-2016م.
الدكتور سعود الشرفات
مدير مركز شُرُفات