حركة التأليف والنشر حول تنظيم “داعش”
د. سعود الشرفات*
رغم التغطية والهالة الإعلامية الواسعة حول تنظيم “داعش” عالميا؛ ورغم أنه ظاهرة عربيةإسلامية
المنشأ والوجود ٬ إلا أن حجم المنتج العربي حوله (التحليل والكتابة والتأليف) محدود ٬ لا يعكس أهمية وخطورة تطرف وإرهاب وتوحش التنظيم ٬ ولا يكاد يذكر مقارنة بحجم حركة التأليف والنشر في أوروبا وأميركا.
ومن خلال استعراض سريع لهذا الإنتاج العربي على محرك البحث “غوغل” ٬ تحت عنوان “كتب عربية حول داعش”
٬ تتبعت ما مجموعه 87 صفحة ٬ بما مجموعه 2850000 نتيجة ٬ كوسيلة للإحاطة بهذا الإنتاج على شبكة الإنترنت ٬ رصدت ما مجموعه 28 كتابا باللغة العربية خلال العامين 2014 و 2015 م . ومن خلال قراءة وتحليل أولي لهذه الكتب؛ رصدت الملاحظات العامة التالية:
1 – غلبة الكتابة الصحفية الوصفية البعيدة عن البحث العلمي الرصين. وبالتالي خلوها عموما من مناهج البحث وأدوات النقد التحليلية. كما خلوها (إلا ما ندر) من أي تأصيل مفاهيمي ديني.
2 – كون كثير منها سطّحيا يخلو من العمق النقدي والتحليلي.
3 – ذات طابع سردي مدرسي ٬ فيها إعادة وتكرار لنفس المعلومات.
4- يبدو أن كثيرا من الكتب وضعت على استعجال شديد ٬ لأهداف تجارية ربما ٬ أو المشاركة في معارض الكتب العربية. مع أهمية الإشارة هنا إلى أن آخر معرض عربي للكتاب ٬ في جدة بالسعودية ٬ أواخر كانون الأول (ديسمبر) 2015 شهد بشكٍل يثير الاستغراب حضورا ضعيفا للكتب التي تبحث التطرف الديني والإرهاب.
5 – هناك مشاكل في عملية الإخراج الفني والتحرير.
6 – ثمة ضعف شديد في توظيف أدوات التحليل الاستخباري المتخصص بشأن كيفية مقاربة ومحاربة الإرهاب والتطرف وتأثيره على الأمن الدولي في حقبة العولمة الحالية.
7- لا تربط هذه الكتب ٬ عموما ٬ً بين تأثيرات العولمة وموجات التطرف والإرهاب العالمي الجديدة.
8 – مقاربة “داعش” ٬ في أحيان كثيرة ٬ وكأنه حركة تحرر وطني أو حركة ثورية مقاومة للاحتلال ٬ تسعى لتحرير العرب والمسلمين من مشاريع الصهيونية العالمية والإمبريالية الأميركية والأوروبية.
9 – خلو الكتابات في غالبيتها من نقد وتحليل الخطاب الديني المتطرف ٬ وإن ظهر فإنه على استحياء شديد ٬ تتجلى فيه الروح الخائفة بشكل كبير.
10 – انتهازية وميوعة خطاب الليبرالية والعلمانّية العربية بشكل عام؛ إذ ظهر حتى الآن متماهيا ومنسجما في إطاره العام مع الخطاب المتطرف لداعش ٬ خاصة عندما يضرب الإرهاب المدن الأوروبية وأميركا؛ حتى ليبدو الأمر من قبل هذه الانتهازية وكأن “داعش” ينتقم من الاستعمار الفرنسي والبريطاني للدول العربية والإسلامية ٬ أو أنها حركة مقاومة للعولمة.
رغم ذلك ٬ لا شك عندي بأن ما قام به هؤلاء الكتاب ٬ في غالبيتهم العظمى ٬ هو جهٌد مشكور يثمن عاليا ٬ خاصة في ظل الصعوبات التي تعترض وتواجه الكتاب والباحثين في هذا الحقل المحفوف بالمخاطر ٬ والتي خبرتها ومررت بها شخصيا لدى محاولاتي المتواضعة الكتابة والتأليف في هذا الحقل ٬ والتي تشمل منظومة واسعة وعميقة جدا من المعيقات؛ ابتداء من ضعف التمويل والدعم للباحثين ٬ مرورا بالرقابة الحكومية الشديدة وحدة مقص الرقيب على المنتج الحر والتجديد خاصة في الموروث الديني ٬ وليس انتهاء بالجدار المنيع من “التابوهات” وتكلسّات الوعي والُكساح الثقافي والمعرفي حّد الخواء الذي يعكس على صفحته المرتجة أرواحنا الخائفة.
* نشرت هذه المقالة في صحيفة الغد الاردنية يتاريخ الاربعاء 6/1/2016