النقد الحضاري لخطاب التطرف الديني
د. سعود الشرفات*
يبدو عالم اليوم ٬ إذا ما نظرنا إليه من نافذة الشرق الأوسط ٬ وكأنه قد خرج من حربٍ دينية قروسطية طاحنة.
هذا العالم الذي نشهده اليوم ٬ كما تنقله إلينا آليات العولمة التكنولوجية في الاتصال والمواصلات والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ٬ يبدو متطرفا ومتوحشا جدا ٬ً وأبطاله كأنهم خرجوا من قطع الليل.
هناك عمليات إرهابية وأشكال متنوعة من التطرف ٬ تضرب في كل أرجاء الشرق الأوسط ٬ وتمزق جسد ما يسمى “العالم العربي”. وقد ارتبط التطرف بشكل عام ٬ وفي الديانات والمعتقدات كافة ٬ بالمقدس الذي أخذ شكل الدين وأشكال التدين والعبادات.
ليس التطرف الديني الإسلامي بالظاهرة الحديثة. وهو مرتبط بالعمق جينولوجيا وإبستمولوجيا بالتطرف الديني الذي ظهر مبكرا وبشكل سافر وخطر مع ظهور الفرق والملل والنحل ٬ وتحديدا مع بداية ظهور فرق للخوارج.
إن خطاب التطرف الديني في الإسلام لم ينل اهتمام الباحثين بالنقد والتحليل ٬ وجل ما حظي به هو الاهتمام السطحي الذي أخذ شكل البحث في الفرق والملل والنحل. فيما ترك أمر هذا النقد رغم ما يعتوره من ضعف وتسطيح ٬ لثلة من المستشرقين والباحثين الغربيين. أما نحن العرب ٬ المسلمين خاصة ٬ فقد بقينا في صفوف المتفرجين ٬ أو مهاجمة ما كتبه هؤلاء في الغرب.
لقد آن الأوان لمقاربات نقدية حضارية لخطاب التطرف الإسلامي المفضي إلى الإرهاب؛ فلم تعد أدبيات الفرق والملل والنحل التي تعود للقرن الأول الهجري تنفع لفك طلاسم هذا التوحش. ولعل أهم مقاربة في هذا المجال ٬ حسب اعتقادي ٬ التأكيد على أن من يجذبهم التطرف الديني ليسوا أميين غيرمتعلمين ٬ كسالى أو عاطلين عن العمل ٬ أو يعانون من أمراض نفسية ومشاكل اجتماعية ٬ وينقصهم التخطيط والإرادة الحرة ٬ ثم محاولة شيطنتهم ونعتهم بأسماء وأوصاف مختلفة تعود لحقب مضت. بل العكس من ذلك؛ هؤلاء على علم ودراية تامين بما يفعلون ٬ ولا يضرهم أو يحد من نشاطهم وصفهم بالتطرف الديني وأنهم إرهابيون.
*مدير مركز شُُرفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب
نشرت هذه المقالة في صحيفة الغد الاردنية 16-12-2015