إبراهيم غرايبة
ارتبطت الطبعة الأولى من كتاب “العولمة والإرهاب”، للدكتور سعود الشرفات، بظاهرة “الربيع العربي”. أما الطبعة الثانية التي صدرت مؤخرا، فترتبط بالعودة إلى عولمة الإرهاب. وهما مصادفتان لا علاقة لهما بصدور الكتاب بطبعتيه، وإن كان يبدو وكأن الكتاب جزء من الجدل المتصل بالظواهر والأحداث الكبرى التي تعصف بالعالم العربي بخاصة، وتؤثر في العالم.
يجادل الشرفات في مقدمة الطبعة الثانية من كتابه بأن “الربيع العربي” لن يغير في وجهة الإرهاب؛ فقد رافقت مجريات “الربيع” أحداث وعمليات إرهابية مرتبطة بسلسلة العنف التي اجتاحت العالم، وعلى نحو متصاعد ومتأزم. وكانت الطبعة الثانية من الكتاب قد أرسلت الى النشر في ذروة “الربيع العربي”، وكان السؤال البدهي المفروض حينها: هل سيؤثر “الربيع العربي” على الإرهاب؟ واليوم، يبدو السؤال معكوسا: هل هناك علاقة بين انحسار “الربيع” وصعود الإرهاب؟
كان الكتاب مشغولا بالرد على مقولة أن “الربيع العربي” سيوقف الإرهاب. ولكن تأخره في الظهور لأسباب متعلقة بالمطابع والناشرين، جعل الكتاب يبدو وكأنه إجابة عن السؤال: هل لانحسار “الربيع العربي” علاقة بصعود الإرهاب؟
السؤال الجوهري في الواقع لا علاقة له بصعود “الربيع العربي” أو انحساره؛ إنه كما في سيرورة العولمة، مرتبط بتحولات التكنولوجيا والموارد، كما هو شأن العالم منذ الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر؛ فكان “الربيع العربي” والإرهاب المعولم، كما الثورات التي اجتاحت أوروبا في القرن التاسع عشر (وكانت مصادفة إيجابية أن د. مروان المعشر كتب أمس عن الربيع الأوروبي في العام 1848). السؤال هو، كما يطرحه الشرفات: هل أثرت العولمة، خاصة آلياتها السياسية والتكنولوجية، على بنية وسلوك الثورات والى أي حد؟
يذهب الشرفات إلى أن سيرورة العولمة جارفة، وأنها ستغير كثيرا من المسلمات المؤسسة للعالم الحديث، أو كما يقول “عالم ما بعد وستفاليا” (المعاهدة التي وقعت العام 1648، وأسست لمفهوم الدولة الحديثة وسيادتها). وربما تمتد العولمة، كما يقتبس المؤلف من العالم الفيزيائي ستيفن هوكينغ، إلى الكواكب الأخرى.
وربما، وأتخيل الآن مدفوعا بالمرارة، يجد العالم أن أفضل حلّ للإرهاب هو نفي أصحابه إلى كوكب آخر، كما كانت أستراليا والقارة الأميركية منفى تعاقب به الدول الخارجين على القانون والجناة، أو ملجأ يهاجر إليهما المضطهدون.
لا يمكن الفصل بين الفشل والإرهاب، لدرجة أنه يمكن القول إن الدول الفاشلة تتحول رغما عن إرادتها إلى إرهابية أو ملاذ للإرهاب. كما لا يمكن الفصل بين الإرهاب، بما هو عنف أو بما هو فشل، وبين العالم المتحضر؛ فما من أحد اليوم في منأى عن الإرهاب، ولا يبدو ثمة حل سوى الاهتمام العميق بالعالم!
© جميع حقوق النشر محفوظة لجريدة الغد 2015